حقّ فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم ، أما لولا أنّي رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقبّل ثنيّتك لأوجعتك ضرباً ، ثمّ دفع إلى قنبر درهماً كان مصروراً في ردائه وقال : اشتر به خير عسل تقدر عليه ....
قال عقيل : والله لكأنّي أنظر إلى يدي عليّ وهي على فم الزقّ وقنبر يقلّب العسل فيه ثمّ شدّه وجعل يبكي ويقول : اللهمّ اغفر لحسين فإنّه لم يعلم.
فقال معاوية : ذكرت من لا ينكر فضله ، رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله وأعجز من يأتي بعده ، هلمّ حديث الحديدة.
قال : نعم ، أقويت وأصابتني مخمصة شديدة فسألته فلم تندّ صفاته ، فجمعت صبياني وجئته بهم والبؤس والضرّ ظاهران عليهم ، فقال : ائتني عشيّة لأدفع إليك شيئاً ، فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحّي ، ثمّ قال : ألا فدونك فاهويت حريصاً قد غلبني الجشع أظنّها صرّة فوضعت يدي على حديدة تلتهب ناراً ، فلمّا قبضتها نبذتها وخرت كما يخور الثور تحت يد جازره ، فقال لي : ثكلتك أُمّك ، هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك وبي غداً إن سلكنا في سلاسل جهنّم ، ثمّ قرأ : ( إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ) (١) ثمّ قال : ليس لك عندي فوق حقّك الذي فرضه الله لك إلّا ما ترى ، فانصرف إلى أهلك.
فجعل معاوية يتعجّب ويقول : هيهات هيهات ، عقمت النساء أن يلدن مثله (٢).
__________________
(١) غافر : ٧١.
(٢) شرح ابن أبي الحديد ، ج ١١ ص
٢٥٢ و ٢٥٣. نهج البلاغة : والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتّى استماحني من برّكم صاعاً ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غير الألوان من فقرهم كأنّما
سوّدت وجوههم بالعظلم ، فعاودني مؤكّداً وكرّر عليَّ القول مردّداً ، فأصغيت إليه سمعي ،
فأحميت له حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضجّ ذي دنف من المها ، وكاد أن يحترق من
=