قال : فناداه رجل فقال له : إنّ عبدالله يقول لك : أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ (١).
ولمّا رأى عمرو بن الحجّاج الزبيدي أنّ كلّ رجل من أصحابه كلّما خرج إلى الميدان وقع فريسة لسيوف الأُسود الهائجة رفع عقيرته وصاح مغضباً : يا حمقى ، أتدرون من تقاتلون ؟ إنّكم تقاتلون من ارتضعوا دَرّ الشجاعة ، وشربوا الماء من شفار السيوف ، احملوا عليهم حملة رجل واحد وقاتلوهم ولئن كانوا على قلّة عددهم وكثرة عددكم وقوّة المدد لكم يقتلون منكم هذه المقتلة ويعرضونكم للإبادة فعليكم أن تحموا الجيش على قتالهم وتحملوه على قتلهم ، فلو رميتموهم بالحجارة لأتيتم على آخرهم.
ولمّا سمع ابن سعد قوله قال : هذا هو الرأي الصحيح الراجح ، ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج من ناحية الفرات على ميمنة أصحاب الحسين ، وحمل الشمر على الميسرة وتتابعت الحملات ، وحمي الوطيس ، واستحرّ القتل فيهم ، وفتحت أفاعي الموت أشداقها ، وصرّ ذئب الأجل أسنانه ، وقامت الحرب على قدم وساق ، وفتح الأجل ذراعيه لاستقبال أرواح المقاتلين ، وكان أصحاب الحسين يتهافتون على المنيّة ولا تهافت العرّيس على حجلة الزفاف كأنّهم الأُسود الضارية هاجت على فرائسها ، وأغار الفرسان كأنّهم الرجوم هوت على شياطين ، وشتّت شمل جيش ابن سعد ذات اليمين وذات الشمال.
__________________
(١) مقتل أبي مخنف ، ص ١١٩ وكان المؤلّف قد وضع النصّ العربي في الهامش وفيه زيادات عمّا في المقتل وضعناها بين قوسين كما أنّ الترجمة إلى الفارسيّة تخلّلتها كلمات هي من مقوّمات النثر الفارسي ولكنّها مفسدة للنثر العربي مثل : وعاد زهير للكلام مرّة أُخرى كالبحر المائج الخ ، وهذا القول يحسن من المترجم أن يأتي به لا ناقل النصّ.