فأُصيب ابن سعد من هذا الوضع بالذهول فاستدعى الحصين بن نمير فأمره بتقديم خمسمائة من الرّماة ليرشقوا أصحاب الحسين عليهالسلام بالنبل ، وحمل شمر بن ذي الجوشن كالذئب الجائع على سلالة أسد الله وخلاصة عالم الإمكان ، فاستقبلهم أصحابه عليهالسلام على قلّة عددهم كالسيل المنحدر والنمر الشرس ، وهجموا عليهم وكلّ واحد منهم كأنّه القضاء الجاري من السماء ، والبلاء المفاجئ ، وصنعوا من القتلى سدوداً يحمون بهم ظهورهم ولكن لا يبيّن فيهم النقص لكثرتهم ، أمّا أصحاب الإمام فقتل الواحد منهم يظهر النقص فيهم لقلّتهم وتقدّم العدوّ في ساحة الحرب حتّى بلغوا طنب الخيام فارتفعت صيحة النساء والأطفال ، فصاح شبث بن ربعي بعمر بن سعد : ثكلتك أُمّك يابن سعد ، ماذا تبغي بإرعاب هؤلاء الصبية ؟! فكأنه استحيا ـ ولا حياء له ـ فأمر جيشه بالتقهقر والتأخّر ، فقتل في هذه الحملة خمسون من أصحاب الحسين عليه وعليهم السلام.
ولمّا صكّت مسامع زهير استغاثة النساء والأطفال فارقه الصبر واستولت عليه الدهشة فحمل عليهم كالصاعقة المتأجّجة بلظى الجحيم ، حتّى ردّهم على أعقابهم خاسئين ، عند ذلك صاح الشمر لعنه الله : عليَّ بالنار لأحرق خيام الظالمين ، فصاح به الحسين عليهالسلام : يا ابن ذي الجوشن ، أنت تطلب النار لتحرق بيوتي على أهلي ، أحرقك الله بنار جهنّم.
فسمع زهير نعرات الشمر فحمل على شمر وأصحابه كالليث
الغضبان وسرعان ما ألحق أبا عزرة الضبابي ـ وهو من أعضاد شمر وأقربائه ـ بجهنّم الأبديّة ، وحمل زهير مع الحرّ على الأعداء وقاتلا قتال الوالهين إلى مرضاة ربّ العالمين فكانا إذا حمل أحدهما على الأعداء وغاص في أوساطهم والتحم بالعدوّ حمى الآخر ظهره ثمّ حمل عليهم ليستنقذه ، فامتدّ القتل ساعة من الدهر على هذا الشكل إلى أن استشهد الحرّ ابن يزيد الرياحي فحمل عليهم زهير كأنّه التنّين