قال : فلبث أيّاماً وإذا بحرملة ووجهه أشدً سواداً من القار ، فقلت له : لقد رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب أنضر وجهاً منك وما أرى اليوم لا أقبح ولا أسود وجهاً منك ! فبكى وقال : والله منذ حملت الرأس وإلى اليوم ما تمرّ عليّ ليلة إلّا واثنان يأخذان بضبعي ثمّ ينتهيان بي إلى نار تأجّج فيدفعان فيها وأنا أنكص فتسعفني كما ترى ، ثمّ مات على أقبح حال (١).
وروى أبو الفرج الإصفهاني في مقاتل الطالبيّين طبع ايران ص ٤٨ عن المدائني أبو غسّان عن هارون بن سعد عن الأصبغ بن نُباتة قال : رأيت رجلاً من بني أبان ابن دارم أسود الوجه وكنت أعرفه جميلاً شديد البياض ، فقلت له : ما كدت أعرفك ، قال : إنّي قتلت شابّاً أمرد مع الحسين بين عينيه أثر السجود ، فما تمّت ليلة منذ قتلته إلّا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتّى يأتي جهنّم فيدفعني فيها فأصيح فما يبقى في الحيّ إلّا سمع صياحي ، قال : والمقتول العبّاس بن عليّ عليهالسلام (٢).
وهذه الرواية نقلها العلّامة النوري في كتابه (دار السلام) ص ١١٤ عن المدائني ونقل مثلها عن الصدوق ثمّ قال : وأخطأ المدائني حين افترض العبّاس شابّاً أمرد.
أقول : إذا افترضنا أنّ للإمام أمير المؤمنين ولدين بهذا الاسم فليس لنا أن نخطّأ المدائني وأبا الفرج إذ لا ريب أنّ العبّاس عليهالسلام قمر بني هاشم لا يقلّ عمره عن أربع وثلاثين عاماً يومذاك وبالطبع لم يكن كقيس بن سعد بن عبادة لم ينبت ، وشابّ بهذه السنّ يستحيل عادة أن يكون أمرد ، فهذه الحكاية من المحتمل أن تكون عن عبّاس آخر وهي تطابق صفات عبّاس الأصغر وهناك دلائل تدلّ على صدق ذلك :
__________________
(١) القمقام الزخّار ، الترجمة العربيّة ، ج ٢ ص ٢٢ و ٢٣ عن تذكرة خواصّ الأُمّة ، ص ٢٥٣.
(٢) مقاتل الطالبيّين ، ص ٧٩ ط ثانية ١٣٨٥ المكتبة الحيدريّة ومطبعتها ، مؤسسة دار الطباعة والنشر ، قم ـ ايران.