مقطّعي الأوصال ، قد طعمتهم سمر الرماح ، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح ، وطحنتهم الخيل بسنابكها ، صِحن ولطمن الوجوه (١) وصاحت زينب : يا محمّداه! هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريّتك مقتّلة. فأبكت كلّ عدو وصديق (٢) حتّى جرت دموع الخيل على حوافرها (٣).
ثمّ بسطت يدَيها تحت بدنه المقدّس ورفعته نحو السّماء ، وقالت : إلهي تقبّل منّا هذا القربان (٤). وهذا الموقف يدلّنا على تبوّئها عرش الجلالة ، وقد اُخذ عليها العهد والميثاق بتلك النّهضة المقدّسة كأخيها الحسين (ع) وإنْ كان التفاوت بينهما محفوظاً ، فلمّا خرج الحسين (ع) عن العهدة بإزهاق نفسه القدسيّة ، نهضت العقيلة زينب بما وجب عليها ، ومنه تقديم الذبيح إلى ساحة الجلال الربوي والتعريف به ، ثمّ طفقت (سلام الله عليها) ببقيّة الشؤون ، ولا استبعاد في ذلك بعد وحدة النّور وتفرّد العنصر.
وتشاطرت هي والحسين بدعوة |
|
حتم القضاء عليهما أنْ يندبا |
هذا بمشتبك النصول وهذه |
|
في حيث معترك المكاره في السّبا (٥) |
واعتنقت سكينة (٦) جسد أبيها الحسين (ع) فكانت تحدّث أنّها سمعته يقول :
شيعتي ما أنْ شربتم |
|
عَذْبَ ماء فاذكروني |
__________________
(١) مثير الأحزان لابن نما ص ٤١ ، واللهوف لابن طاووس ص ٧٤ ، والمقتل للخوارزمي ٢ ص ٣٩ ، والمقتل للطريحي ص ٣٣٢.
(٢) الخطط المقريزيّة ٢ ص ٢٨٠.
وفي مقتل الخوارزمي واللهوف : كانت الندبة أوسع.
(٣) مقتل الخوارزمي ٢ ص ٣٩ ، والمنتخب للطريحي ص ٣٣٢.
(٤) الكبريت الأحمر ٣ ص ١٣ ، عن الطراز المذهّب.
(٥) للعلامة ميرز محمّد علي الاوردبادي (نوّر الله ضريحه).
(٦) في تهذيب الأسماء للنووي ١ ص ١٦٣ ، والكواكب الدرّية للمناوي ١ ص ٥٨ ، ونور الأبصار للشبلنجي ص ١٦٠ ، ووفيات الأعيان لابن خلّكان بترجمتها : توفّيت سكينة بنت الحسين (ع) يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول سنة (١١٧ هـ). وفي المجدي لابن الحسن العمري في النّسب ، وإعلام الورى للطبرسي ص ١٢٧ ، عند ذكر أولاد الحسن (ع) ، والأغاني ١٢ ص ١٦٣ : إنّها تزوّجت من ابن عمّها عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب قُتل عنها يوم الطف ، ولم تلد منه. انتهى. وفي إعلام الورى : قُتل عنها قبل البناء بها ، ولها يوم الطفّ أكثر من عشر سنين ، وولادتها قبل وفاة عمّها الحسن (ع) وعمرها يقارب السّبع سنين ، وكلمة سيّد الشهداء (ع) في حقّها : «أنّ الغالب على سكينة الاستغراق مع الله». على ما رواه الصبان في اسعاف الرغبين يفيدنا درساً دقيقاً عن مكانة ابنته من الشريعة المقدسة ـ لاحظ كتابنا السيدة سكينة ـ الطبعة الثانية.