.................................................................................................
______________________________________________________
ولكن من الظاهر أنّ المراد بالبَعديّة ليست هي البَعديّة الزمانيّة لتدلّ على أنّ حدوث الخمس متأخّر عن إخراج المئونة ، بل المراد البَعديّة الرتبيّة ، نظير قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (١) ، يعني : أنّ مرتبة الخمس متأخّرة عن المئونة ، كما أنّ مرتبة الإرث متأخّرة عن الوصيّة والدين ، ومرجع ذلك إلى أنّ إخراج الأمرين مقدّم على الصرف في الإرث ، كما أنّه في المقام يلاحظ الخمس فيما يفضل على المئونة من الربح من غير نظر إلى الزمان بتاتاً.
فمقتضى الجمع بين هذه الروايات الدالّة على أنّ الخمس بعد المئونة وما دلّ على تعلّقه من لدن ظهور الربح : أنّ الحكم ثابت من الأوّل لكن مشروطاً بعدم الصرف في المئونة بنحو الشرط المتأخّر ، فإنّ البعديّة الرتبيّة لا تنافي الثبوت من الأوّل كما في الإرث ، غايته أنّه من قبيل الواجب المشروط بالشرط المتأخّر ، فكلّما صرفه في المئونة لم يتعلّق به الخمس من الأوّل ، وكلّ ما بقي وفضل كما عبّر به في رواية ابن شجاع (٢) وجب خمسه. وهذا هو الظاهر من الجمع بين الأخبار.
وممّا يرشدك إلى إرادة البَعديّة الرتبيّة أنّ لازم إرادة الزمانيّة جواز إتلاف الربح أثناء السنة أو الصرف في غير المئونة من هبةٍ لا تليق بشأنه ونحوها ، لعدم لزوم حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف ، ومرجع هذا إلى سقوط الخمس عنه ، ولعلّ الحلّي أيضاً لا يلتزم بذلك.
هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّ ما ذكرناه إنّما يتّجه بالإضافة إلى مئونة الاسترباح وما يصرف في سبيل تحصيل الربح ، فإنّ ما ورد من أنّ الخمس بعد المئونة ناظر إلى ذلك.
__________________
(١) النِّساء ٤ : ١١.
(٢) الوسائل ٩ : ٥٠٠ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٢.