كثير ممّا أربكهما من المشكلات ، وأنّى لهما باقتحام المعضلات وهما هما؟ وأيّ رأي هذا [الذي] ضربت عنه الأُمّة صفحاً؟ وكم له من نظير! وكيف أوصى النبيّ الأعظم باتّباع أُناس هذه مقاييس آرائهم في دين الله ، وهذا مبلغهم من العلم ، بقوله فيهم : عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين فتمسّكوا بها (١)؟
(خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ) (٢).
ـ ١٩ ـ
الخليفة يأخذ حكم الله من أُبيّ
أخرج البيهقي في السنن الكبرى (٧ / ٤١٧) بالإسناد عن أبي عبيدة قال : أرسل عثمان رضى الله عنه إلى أُبيّ يسأله عن رجل طلّق امرأته ثمّ راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة. قال أُبيّ : إنّي أرى أنّه أحقّ بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، وتحلّ لها الصلاة. قال : لا أعلم عثمان رضى الله عنه إلاّ أخذ بذلك.
قال الأميني : صريح الرواية أنّ الخليفة كان جاهلاً بهذا الحكم حتى تعلّمه من أُبيّ وأخذ بفتياه ، ولا شكّ أنّ الذي علّمه هو خير منه ، فهلاّ ترك المقام له أو لمن هو فوقه؟ وفوق كلّ ذي علم عليم ، ولو ترك الأمر لمن لا يسأل غيره في أيّ من مسائل الشريعة لدخل مدينة العلم من بابها.
وحسبك في مبلغ علم الخليفة قول العيني في عمدة القاري (٣) (٢ / ٧٣٣) : إنّ عمر كان أعلم وأفقه من عثمان. وقد أوقفناك على علم عمر في الجزء السادس وذكرنا نوادر الأثر في علمه ، فانظر ما ذا ترى؟
__________________
(١) أسلفنا الحديث في الجزء السادس : ص ٣٣٠ ، وبيّنا المعنى الصحيح المراد منه. (المؤلف)
(٢) سورة ص : ٢٢.
(٣) عمدة القاري : ٥ / ٢٠٣.