طريق شيخه أبي بكر محمد بن إسحاق بن محمشاد يرفعه : أنّ رجلاً أتى عثمان بن عفّان وهو أمير المؤمنين وبيده جمجمة إنسان ميّت ، فقال : إنّكم تزعمون النار يعرض على هذا وأنّه يعذّب في القبر وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحسُّ منها حرارة النار. فسكت عنه عثمان وأرسل إلى عليّ بن أبي طالب المرتضى يستحضره ، فلمّا أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل : أعد المسألة. فأعادها ، ثمّ قال عثمان بن عفّان : أجب الرجل عنها يا أبا الحسن فقال عليّ : «ائتوني بزند وحجر» والرجل السائل والناس ينظرون إليه ، فأُتي بهما فأخذهما وقدح منهما النار ، ثمّ قال الرجل : «ضع يدك على الحجر» ، فوضعها عليه ثمّ قال : «ضع يدك على الزند» ، فوضعها عليه فقال : «هل أحسست منهما حرارة النار» ، فبهت الرجل ، فقال عثمان : لو لا عليّ لهلك عثمان.
قال الأميني : نحن لا نرقب من عثمان وليد بيت أُميّة الحيطة بأمثال هذه العلوم التي هي من أسرار الكون ، وقد تقاعست عنها معرفة من هو أرقى منه في العلم ، فكيف به؟ وإنّما تُقلّها عيبة العلوم الإلهيّة المتلقّاة من المبدأ الأعلى منشئ الكون ومُلقي أسراره فيه ، وهو الذي أفحم السائل هاهنا وفي كلّ معضلة أعوز القوم عرفانها.
وإنّما كان المترقّب من عثمان ـ بعد ما تسنّم عرش الخلافة ـ الحيطة بما كان يسمعه ويراه ويفهم ويعقل من السنّة المفاضة على أفراد الصحابة ، لئلا يرتبك في موارد السؤال ، فيرتكب العظائم ويفتي بخلاف الوارد ، أو يرتئي رأياً عدت عنه المراشد لكن ويا للأسف ..
ـ ٢٣ ـ
رأي الخليفة في الجمع بين الأُختين بالملك
أخرج مالك في الموطأ (١) (٢ / ١٠) ، عن ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب أنّ رجلاً سأل عثمان بن عفّان عن الأُختين من ملك اليمين ، هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان :
__________________
(١) موطّأ مالك : ٢ / ٥٣٨ ح ٣٤.