ـ ٤ ـ
كرامات عمر الأربع
١ ـ لمّا فتح عمر مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أَشهُر العجم ، فقالوا له : أيّها الأمير إنّ لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلاّ بها. فقال لهم : وما ذاك؟ فقالوا له : إنّا إذا كانت ثلاث عشرة ليلة نحواً (١) من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها ، فأرضينا أباها وحملنا عليها من الحليّ والثياب أفضل ما يكون ثمّ ألقيناها في النيل ، فقال لهم عمرو : إنّ هذا شيء لا يكون في الإسلام وإنّ الإسلام يهدم ما كان قبله ، فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى (٢) ، لا يجري قليلاً ولا كثيراً ، فكتب إلى عمر بن الخطّاب رضى الله عنه ، فكتب إليه عمر : أنّك قد أصبت بالذي فعلت ، إنّ الإسلام يهدم ما قبله ، وكتب إلى عمرو أنّي قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا إليك فألقها في النيل إذا وصل كتابي إليك ، فلمّا قدم كتاب عمر رضى الله عنه إلى عمرو بن العاص فإذا فيها مكتوب :
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر : أمّا بعد : فان كنت إنّما تجري من قبلك فلا تجرِ ، وإن كان الله الواحد القهّار هو مجريك فنسأل الله الواحد القهّار أن يجريك.
وفي لفظ الواقدي : فان كنت مخلوقاً لا تملك ضراً ولا نفعاً وأنت تجري من قِبَل نفسك وبأمرك فانقطع ولا حاجة لنا بك ، وإن كنت تجري بحول الله وقوّته فاجر كما كنت ، والسلام.
فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بشهر فقد تهيّأ أهل مصر للجلاء
__________________
(١) في البداية والنهاية : خلت.
(٢) أسماء الأشهر القبطية.