وهي التي دعته إلى تعيير بلال رضى الله عنه بأُمّه وشكايته إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقوله فيه : إنّك امرؤ فيك جاهليّة ، فرفع عصاه ليضربه وقال له : يا يهوديّ ما ذاك من هذه المسائل. فهرب كعب فتبعه حتى استعاذ بظهر عثمان رضى الله عنه فلم يرجع حتى ضربه ، وفي رواية : إنّ الضربة وقعت على عثمان ، وكثر المعترضون على أبي ذر في دعواه ، وكان الناس يقرؤون له آية المواريث ويقولون : لو وجب إنفاق كلّ المال لم يكن للآية وجه ، وكانوا يجتمعون عليه مزدحمين حيث حلّ مستغربين منه ذلك ، فاختار العزلة فاستشار عثمان فيها ، وأشار إليه بالذهاب إلى الربذة ، فسكن فيها حسبما يريد ، وهذا ما يُعوّل عليه في هذه القصّة. ورواها الشيعة على وجه جعلوه من مطاعن ذي النورين وغرضهم بذلك إطفاء نوره ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره. انتهى.
في هذه الكلمة مواقع للنظر :
١ ـ قوله : أخذ بظاهر الآية. إلخ. ليس للآية ظاهر غير باطنها ، وليس فيها إيجاب لإنفاق جميع المال المؤداة زكاته الفاضل عن الحاجة ، فأيّ ظهور فيها يعاضد ما عزوه إلى أبي ذر حتى يسعه الأخذ به والتعويل عليه؟ وإنّما هي زاجرة عن الاكتناز الذي بينّاه في صفحة (٣٢٠) ولم يؤثر قطّ عن أبي ذر المصارحة ولا الإشارة إلى شيء ممّا عزاه إليه ، بل أوقفناك على أنّ كلّ ما روي عنه أو فيه منافٍ لذلك.
٢ ـ ما رتّبه على ذلك من وقوع النزاع بينه وبين معاوية ، وقد أسلفنا في صفحة (٢٩٥) عن صحيح البخاري من أنّ النزاع بينهما كان في نزول الآية لا في مفادها ، فكان معاوية يزعم أنّها نزلت في أهل الكتاب وأبو ذر يعمّمها عليهم وعلى المسلمين ، ومرّ أيضاً مراد أبي ذر من الإنفاق ومقدار المنفق من المال وأنّه ليس ما فضل عن الحاجة وإنّما هو ما ندب إليه الشرع واجباً أو تطوّعاً ، ولم يكن إنكاره إلاّ على الاكتناز الذي هو لدة الاحتكار في الأطعمة ، يحرم الملأ من منافع النقدين ونمائهما ،