إنّ من الممكن جدّا أن يكون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدينة ، فلم يُرد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكون بين صحابته في عاصمة نبوّته مخزيّ مثله.
إذا أنهاك البحث إلى هاهنا وعرفت الحَكَم ومقداره في أدوار حياته جاهليّةً وإسلاماً ، فاقرأ ما جاء به سالم بن وابصة تزلّفاً إلى معاوية بن مروان بن الحكم من قوله :
إذا افتخرت يوماً أُميّةُ أطرقتْ |
|
قريش وقالوا معدن الفضل والكرمْ |
فإن قيل هاتوا خَيركم أطبقوا معاً |
|
على أنّ خيرَ الناسِ كلِّهمُ الحكمْ |
ألستم بني مروان غيثَ بلادِنا |
|
إذا السنةُ الشهباءُ سدّتْ على الكظمْ |
سبحانك اللهمّ ما قيمة بشر خيره الحَكَم؟ وما شأن جدوب غيثها بنو مروان؟ إن هي إلاّ أساطير الأوّلين نسجتها يد الغلوّ في الفضائل.
المساءلة :
هلمّ معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده ـ الحَكَم ـ وبمسمعٍ منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوّة عليه وعلى من تناسل منه عدا المؤمنين ، وقليل ما هم ، ما هو المبرّر لعمله هذا وردّه إلى مدينة الرسول؟ وقد طرده صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبناءه منها تنزيها لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأمويّة ، قد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يردّاه ، فقال كلّ منهما : لا أحلُ عقدة عقدها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١) وقال الحلبي في السيرة (٢) (٢ / ٨٥) : كان يقال له : طريد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولعينه ، وقد كان صلىاللهعليهوآلهوسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر بعد أن سأله
__________________
(١) الأنساب للبلاذري : ٥ / ٢٧ ، الرياض النضرة : ٢ / ١٤٣ [٣ / ٨٠] ، أُسد الغابة : ٢ / ٣٥ [٢ / ٣٨ رقم ١٢١٧] ، السيرة الحلبية ١ / ٣٣٧ [١ / ٣١٧] ، الإصابة : ١ / ٣٤٥ [رقم ١٧٨١] (المؤلف)
(٢) السيرة الحلبيّة : ٢ / ٧٦ ـ ٧٧.