أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١) وأيّ فساد في الأرض أعظم من هذا المبدأ التعيس المضادّ للكتاب والسنّة؟ وفي الكتاب الكريم قوله سبحانه : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٢). وأما السنّة الشريفة فحدّث عنها في باب الأموال والاختصاص فيها وتقرير ميسرة الأغنياء ولا حرج. وبذلك كلّه تقوم دعائم المدنيّة ، وتشاد علالي الحضارة الراقية.
ثناء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليه وعهده إليه :
أمّا ما أُثر عن نبيّ الإسلام من ذلك فقد قدّمنا شطراً منه في صفحة (٣١٢ ـ ٣١٩) ولا منتدح من أن نقول : إنّ نبيّ العظمة كان جدّ عليم بواسع علم النبوّة بما سوف ينوء به أبو ذر في خواتيم أيّامه بأقوال وأعمال تبهظ مناوئيه ، وكان يعلم أيضاً أنّ أُمّته سيتّخذون كلّ ما لهج به أصولاً متّبعة. فلو كان يعلم في أبي ذر شذوذاً لما أغرى الأُمّة بموافقته بتلكم الكلم الدرّية ، على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم عهد إليه وأخبره أنّ ما يصيبه من الكوارث من جرّاء ما يدعو إليه في الله وبعينه ؛ فلا يعقل أن يكون في رأيه شذوذ عن طريقة الدين ، بل كان من واجبه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يُنبّهه على خطئه في الرأي وغلطه في الدعوة ، فإذ لم يفعل وأشفع ذلك بثنائه البالغ عليه وعهده إليه علمنا أنّ أبا ذر هو ذلك البرّ التقيّ ، ورجل الإصلاح ، ومثال العطف والحنوّ على ضعفاء الأُمّة ، وطالب الخير والسعادة لأقويائها ، ولقد تحمّل الشدائد لينقذ المكبّين على الدنيا من مغبّة العمل السيّئ ، وليسعد آخرين برغد العيش وبُلهنية الحياة ، موصولة حلقات حياتهم الدنيا بدرجات الآخرة العليا ، لكن جهلوه وجهلوا أمره وجهلوا حقّه ،
__________________
(١) المائدة : ٣٣.
(٢) الزخرف : ٣٢.