الكتاب والسنّة اللذين جاءا بهذه اللغة الكريمة ، ولذلك أتى في قوله بصورة الاستفهام عن مدرك الحكم لا عن أصله ، فإنّ الحكم كان مسلّماً عنده لا أنّ ما قاله للخليفة كان رأياً له في الخلاف في حجب الأخوين ، وإلاّ لتبعه أصحابه المقتصّون أثره ، لكنهم كلّهم موافقون للأُمّة وعلمائها في حجب الأخوين كما ذكره ابن كثير في تفسيره (١ / ٤٥٩) فعدُّ ابن عبّاس مخالفاً في المسألة بهذه الرواية ، كما فعله الطبري في تفسيره (١) (٤ / ١٨٨) ، وابن رشد في البداية (٢) (٢ / ٣٢٧) وغير واحد من الفقهاء وأئمّة الحديث ورجال التفسير أُغلوطة (٣) نشأت من عدم فهم مغزى كلامه.
ـ ٢٥ ـ
رأي الخليفة في المعترفة بالزنا
عن يحيى بن حاطب قال : توفّي حاطب فأعتق من صلّى من رقيقه وصام ، وكانت له أمة نوبيّة قد صلّت وصامت وهي أعجميّة لم تفقه فلم ترعه إلاّ بحبلها وكانت ثيّباً. فذهب إلى عمر رضى الله عنه فحدّثه فقال : لأنت الرجل لا تأتي بخير ، فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر رضى الله عنه فقال : أحبلت؟ فقالت : نعم من مرغوش بدرهمين. فإذا هي تستهلُّ بذلك لا تكتمه قال : وصادف عليّا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال : أشيروا عليّ ، وكان عثمان رضى الله عنه جالساً فاضطجع ، فقال عليّ وعبد الرحمن : قد وقع عليها الحدُّ. فقال : أَشِر عليّ يا عثمان. فقال : قد أشار عليك أخواك ، قال : أشر عليّ أنت. قال : أراها تستهلُّ به كأنّها لا تعلمه ، وليس الحدُّ إلاّ على من علمه. فقال : صدقت صدقت والذي نفسي بيده ، ما الحدُّ إلاّ على من علمه. فجلدها عمر مائة وغرّبها عاماً (٤).
__________________
(١) جامع البيان : مج ٣ / ج ٤ / ٢٧٨.
(٢) بداية المجتهد : ٢ / ٣٤٠.
(٣) خبر لقوله المتقدم : فَعَدُّ ابن عباس.
(٤) السنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٣٨ ، كتاب الأُم للشافعي : ١ / ١٥٢.