قال الأميني : أسلفنا هذا الحديث في الجزء السادس (١) ، وتكلّمنا هنالك حول رأي الخليفة الثاني وما أمر به من الجلد والاغتراب وأنّه خارج عن نطاق الشرع ، وهاهنا ننظر إلى رأي عثمان وفتياه بعدم الحدّ.
لو كان ما يقوله الخليفة حقّا لبطلت الأقارير والاعترافات في أمثال المورد ، فيقال في كلّها إنّه لا يعلم الحدّ ولو علمه لأخفاه خيفة إجرائه عليه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحدُّ بالإقرار ، ولو بعد استبراء الخبر والتريّث في الحكم رجاء أن تكون هناك شبهة يدرأ بها الحدّ ، فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول للمعترف بالزنا «أبك جنون؟» (٢) أو يقول : «لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت؟» (٣) وكذلك مولانا أمير المؤمنين عليّ وقبله الخليفة الثاني كانا يدافعان المعترف رجاء أن ينتج الأخذ والردّ لشبهة في الإقرار ، لكنّهما بعد ثبات المعترف على ما قال كانا يجريان عليه الحدّ ، ألا ترى قول عمر للزانية : ما يبكيك؟ أنّ المرأة ربّما استكرهت على نفسها. فأخبرت أنّ رجلاً ركبها وهي نائمة فخلّى سبيلها ، وأنّ علياً عليهالسلام قال لشراحة حين أقرّت بالزنا : لعلّك عصيت نفسك؟ قالت : أتيت طائعة غير مكرهة فرجمها (٤).
ولعلّ من جرّاء أمثال هذه القضايا طرق سمع الخليفة أنّ الحدود تدرأ بالشبهات ، والحدود تُدْفَعُ ما وجدلها مدفع ، غير أنّه لم يدر أنّ للإقرار ناموساً في الشريعة لا يعدوه ولا سيّما في مورد الزنا ، فإنّه يؤاخذ به المعترف في أوّل مرّة كما تعطيه
__________________
(١) صفحة ١٦١ الطبعة الأولى ، وص ١٧٤ الطبعة الثانية. (المؤلف)
(٢) كما في صحيح أخرجه البخاري [٦ / ٢٥٠٢ ح ٦٤٣٩] ومسلم [٣ / ٥٢٥ ح ١٧ كتاب الحدود] والبيهقي في السنن : ٨ / ٢٢٥. (المؤلف)
(٣) كما في حديث ماعز ، وقد أخرجه غير واحد من أصحاب الصحاح وفي مقدّمهم البخاري في صحيحه : ١٠ / ٣٩ [٦ / ٢٥٠٢ ح ٦٤٣٨] ، [وفي صحيح مسلم : ٣ / ٥٢٩ ح ٢٢ والسنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٢٦]. (المؤلف)
(٤) أخرجهما الجصّاص في أحكام القرآن : ٣ / ٣٢٥ [٣ / ٢٦٤]. (المؤلف)