قصّة العسيف الواردة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما (١) ، أو بعد أربعة أقارير ، إمّا في مجلس واحد كما ورد في قصّة ماعز في لفظ الشيخين في الصحيحين ، أو في عدّة مجالس كما يظهر من حديث زاني بني ليث الوارد في سنن البيهقي (٨ / ٢٢٨) ، فتقوم تلكم الأقارير مقام أربع شهادات ، كما وقع في سارق جاء إلى عليّ فقال : إنّي سرقت ، فردّه ، فقال : إنّي سرقت ، فقال : شهدت على نفسك مرّتين ، فقطعه (٢). وقد عزب عن الخليفة فقه المسألة كما بينّاه ، وهي على ما جاءت في الأحاديث المذكورة يختلف حكمها عند أئمّة المذاهب. قال القاضي ابن رشد في بداية المجتهد (٣) (٢ / ٤٢٩) : أمّا عدد الإقرار الذي يجب به الحدُّ فإنّ مالكاً (٤) والشافعي (٥) يقولان : يكفي في وجوب الحدّ عليه اعترافه به مرّة واحدة وبه قال داود وأبو ثور والطبري (٦) وجماعة ، وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى : لا يجب الحدُّ إلاّ بأقارير أربعة مرّة بعد مرّة ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وزاد أبو حنيفة وأصحابه في مجالس متفرّقة.
ثمّ ما ذا يعني الخليفة بقوله : أراها تستهلُّ به كأنّها لا تعلمه ، وليس الحدُّ إلاّ على من علمه؟ هل يريد جهلها بالحدّ أو بحرمة الزنا؟ أمّا العلم بثبوت الحدّ فليس له أيّ صلة بإجراء حكم الله فإنّه يتبع تحقّق الزنا في الخارج ، علم الزاني أو الزانية بترتّب الحدّ عليهما أم لم يعلما.
__________________
(١) صحيح البخاري : ٦ / ٢٦٣١ ح ٦٧٧٠ ، صحيح مسلم : ٣ / ٥٣٢ ح ٢٥ كتاب الحدود. وانظر : سنن ابن ماجة : ٢ / ٨٥٢ ح ٢٥٤٩ ، سنن الترمذي : ٤ / ٣١ ح ١٤٣٣.
(٢) كنز العمّال : ٣ / ١١٧ [٥ / ٥٤٩ ح ١٣٩٠٩] نقلاً عن عبد الرزاق [في المصنّف : ١٠ / ١٩١ ح ١٨٧٨٣] ، وابن المنذر ، والبيهقي [في السنن الكبرى : ٨ / ٢٧٥]. (المؤلف)
(٣) بداية المجتهد : ٢ / ٤٣٤.
(٤) ذكر تفصيل ما ذهب إليه في الموطّأ [٢ / ٨٢٥ ، ٨٢٦ ح ١٢ ، ١٣] ، والمدوّنة الكبرى [٦ / ٢٠٩]. (المؤلف)
(٥) يوجد تفصيل قوله في كتابه الأُم : ٧ / ١٦٩ [٧ / ١٨٣]. (المؤلف)
(٦) في بداية المجتهد : والبرطي ، بدلاً من الطبري.