قول آخر في الآية المحلّلة :
قال ملك العلماء في بدائع الصنائع (٢ / ٢٦٤) ، والزمخشري في تفسيره (١) (١ / ٣٥٩) عني عثمان بآية التحليل قوله عزّ وجلّ : (إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).
وهذا إنّما يتمّ بالتمسّك بعموم ملك اليمين ، لكن الممعن في لحن القول يجد أنّه لا يجوز الأخذ بهذا العموم لأنّه في مقام بيان ناموس العفّة للمؤمنين بأنّ صاحبها يكون حافظاً لفرجه إلاّ فيما أباح له الشارع في الجملة من زوجة أو ملك يمين فقال : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (٢) ولا ينافي هذا وجود شروط في كلّ منهما ، فإنّ العموم لا يبطل تلكم الشروط الثابتة من الشريعة ، وإنّما هي التي تضيّق دائرة العموم وهي الناظرة عليه ، مثلاً لا يقتضي هو إباحة وطء الزوجة في حال الحيض والنفاس وفي أيّام شهر رمضان وفي الإحرام والإيلاء والظهار والمعتدّة من وطء بشبهة ، ولا إباحة وطء الأُختين ولا وطء الأمة ذات الزوج فإنّ هذه شرائط جاء بها الإسلام لا يخصّصها أيُّ شيء ، ولا يعارض أدلّتها عموم إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم.
ولو وسّعنا عموم الآية لوجب أن نبيح كلّ هذه أو نراها تعارض أدلّتها ، ولنا عندئذٍ أن نقول في نكاح الأُختين وفي بقيّة ما ورد فيه الكتاب ممّا ذكر : أحلّته آية وحرّمته آية! فقد استُثنِيا ـ الزوجة وملك اليمين ـ بنسق واحد وهذا ممّا لا يفوه به أيّ متفقّه.
__________________
(١) الكشّاف : ١ / ٤٩٦.
(٢) المؤمنون : ٥ و ٦.