الكأس. وأنا لا أدري لو كان وليه قبل ذلك ما ذا كان يصدر من ولائد الجهل؟ وأيّ حدّ كانت تبلغ نوادر الأثر في علمه؟
وليت مصطنع هذه المهزأة اصطنعها على وجه ينطبق حكمها على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الخليفة ، لكنّه لا ينطبق على أيّ منهما كما بينّاه ، غير أنّ وظيفة المائن أن يأتي بأساطيره على كلّ حال ، وإنّما العتب على البخاري الذي يعتبرها ويدرجها في الصحيح غلوّا منه في الفضائل ، وأشدّ منه وأعظم على أمثال ابن أبي جمرة الأزدي من الذين يموّهون الحقائق بزخرف القول على أغرار الأمّة ، ويحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم.
ـ ١١ ـ
عمر وفَرَق الشيطان منه
أخرج البخاري في صحيحه (١) في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده (٥ / ٨٩) ، وفي كتاب المناقب باب مناقب عمر (٥ / ٢٥٦) عن سعد بن أبي وقّاص قال : استأذن عمر على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعنده نساء من قريش يُكلّمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهنّ ، فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يضحك ، فقال عمر : أضحك الله سنّك يا رسول الله ، قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كنّ عندي فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. قال عمر : فأنت يا رسول الله كنت أحقّ أن يهبنَ ، ثمّ قال ـ عمر ـ : أي عدوّات أنفسهنّ ، أتهبنَني ولا تهبْنَ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قلن : نعم ، أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قطّ سالكاً فجّا إلاّ سلك فجّا غير فجّك.
قال الأميني : ما أوقح هذا الراوي الذي ساق هذا الحديث في عداد الفضائل وهو بعدِّه عند سياق السفاسف أولى ، حسب أوّلاً أن النساء لم يكنَّ يهبنَ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) صحيح البخاري : ٣ / ١١٩٩ ح ٣١٢٠ ، ص ١٣٤٧ ح ٣٤٨٠.