وهبن عمر ، فعلى هذا نسائله : أكنّ هذه النسوة نساءَه صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ كما ذكره شرّاح الحديث (١) ستراً لعوار الرواية ، أم كنّ أجنبيّات عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وعلى الأوّل فلا وجه لهيبتهنّ إيّاه على الإسفار أو الإكثار أمامه ، فإنّ للحلائل مع أزواجهنّ شئوناً خاصّة ، فتسترهنّ عن عمر لكونه أجنبيّا عنهنّ لا هيبةً له.
وعلى الثاني وهو الذي يعطيه سياق الحديث كقوله : وعنده نساء من قريش. وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عجبت من هؤلاء اللاتي كنّ عندي. إلى آخره. وقول عمر : فأنت يا رسول الله كنت. إلى آخره. وقوله : يا عدوّات أنفسهن إلى آخره. فكلّ هذه لا يلتئم مع كونهنّ نساءَه لتنكير النساء في الأوّل ، وظهور قوله : كنّ عندي في أنّ حضورهنّ لديه من ولائد الاتفاق لا أنّهنّ نساؤه الكائنات معه أطراف الليل وآناء النهار ، وقلنا أيضاً : إنّه لا وجه للهيبة مع كونهنّ أزواجه ، ولا هنّ على ذلك عدوّات أنفسهنّ ، فإنّ إبداء الزينة والجمال للزوجة عبادة لا معصية ، فجلوسهنّ وهنّ أجنبيّات عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سافرات على هذا الوجه إمّا لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يحرّم السفور ، وإمّا لأنّه حرّمه ونسيه ، أو أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم تسامح في النهي عنه ، أو أنّه هابهنّ وإن لم يهبن ، وكان مع ذلك يروقه أن ينتهين عمّا هنّ عليه ، ولذلك استبشر لمّا بادرن الحجاب وأثنى على عمر ، ولازم هذا أن يكون عمر أفقه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو أثبت منه على المبدأ ، أو أخشن منه في ذات الله ، أو أقوى منه نفساً. أعوذ بالله من التقوّل بلا تعقّل.
وأمّا ما عُزي إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم ثانياً من قوله : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قطّ سالكاً فجّا إلاّ سلك فجّا غير فجّك ، فما بال الشيطان يهاب الخليفة فيسلك فجاً غير فجّه ولا تروعه عظمة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولاقوّة إيمانه؟ فيسلك في فجّه فلا يدعه أن ينهى عن المنكر ، ويحدو بصواحب المنكر إلى أن يتظاهرن به أمامه. بل الشيطان لعنه الله يعرض له صلىاللهعليهوآلهوسلم ليقطع عليه صلاته وإن رجع عنه خائباً ، كما أخرجه البخاري في
__________________
(١) راجع إرشاد الساري : ٥ / ٢٩٠ [٨ / ١٩٨ ح ٣٦٨٣]. (المؤلف)