من بنت الفرافصة كلمتها الحكميّة التي كانت فيها نجاته في النشأتين.
كان من صالح الخليفة أن يدني إليه أبا ذر فيستفيد بعلمه وخلقه ونسكه وأمانته وثقته وتقواه وزهده لكنّه لم يفعل ، وما ذا كان يجديه لو فعل؟ وحوله الأمويّون وهو المتفاني في حبّهم ، وهم لا يرون ذلك الرأي السديد سديداً لأنّه على طرف النقيض ممّا حملوه من النهمة والشره ، واكتناز الذهب والفضة ، والسير مع الهوى والشهوات ، وهم المسيطرون على رأي الخليفة وأبو سفيان يقول : يا بني أُميّة تلقّفوها تلقّف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة. أو يقول لعثمان : صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أُميّة فإنّما هو الملك ولا أدري ما جنّة ولا نار. راجع (ص ٢٧٨).
وعثمان وإن زبره تلك الساعة ، لكنّه لم يَعْدُ رأيه في بني أميّة المتلاعبين بالدين لعبهم بالأكر ، ولا أدري هل تهجّس في تأديب أبي سفيان على ذلك القول الإلحادي الشائن كما تهجّس وفعل في أبي ذر البرّ التقي ، ومن يماثله من الصلحاء الأتقياء؟
لقد فات ابن الأثير كلّ هذا ، فاعتذر عن الرجل بأنّ الخليفة يؤدّب رعيّته.
عماد الدين بن كثير :
جاء ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية (١) (٧ / ١٥٥) فبنى على أساس ما علاّه من قبله في حذف ما كان هنالك من هنات وزاد في الطنبور نغمات ، قال : كان أبو ذر ينكر على من يقتني مالاً من الأغنياء ويمنع أن يدّخر فوق القوت ويوجب أن يتصدّق بالفضل ويتأوّل قول الله سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٢) فينهاه معاوية عن إشاعة ذلك فلا
__________________
(١) البداية والنهاية : ٧ / ١٧٥ حوادث سنة ٣٠ ه.
(٢) التوبة : ٣٤.