يمتنع ، فبعث يشكوه إلى عثمان ، فكتب عثمان إلى أبي ذر أن يقدم عليه المدينة فقدمها ، فلامه عثمان على بعض ما صدر منه واسترجعه فلم يرجع. فأمره بالمقام بالربذة ـ وهي شرقي المدينة ـ ويقال : إنّه سأل عثمان أن يقيم بها ، وقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لي : إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها. وقد بلغ البناء سلعاً ، فأذن له عثمان بالمقام بالربذة ، وأمره أن يتعاهد المدينة في بعض الأحيان حتى لا يرتدّ أعرابيّا بعد هجرته ، ففعل ، فلم يزل مقيماً بها حتى مات. انتهى.
وقال (١) في (ص ١٦٥) عند ذكر وفاته : جاء في فضله أحاديث كثيرة ، من أشهرها ما رواه الأعمش عن أبي اليقظان عثمان بن عمير ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر». وفيه ضعف. ثمّ لمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومات أبو بكر خرج إلى الشام ، فكان فيه حتى وقع بينه وبين معاوية ، فاستقدمه عثمان إلى المدينة ، ثمّ نزل الربذة ، فأقام بها حتى مات في ذي الحجّة من هذه السنة ، وليس عنده سوى امرأته وأولاده ، فبينما هم كذلك لا يقدرون على دفنه ، إذ قدم عبد الله بن مسعود من العراق في جماعة من أصحابه ، فحضروا موته وأوصاهم كيف يفعلون به ، وقيل : قدموا بعد وفاته فولوا غسله ودفنه ، وكان قد أمر أهله أن يطبخوا لهم شاة من غنمه ليأكلوها بعد الموت ، وقد أرسل عثمان بن عفّان إلى أهله فضمّهم مع أهله. انتهى.
هذا كلّ ما في عيبة ابن كثير من المخاريق في المقام ، وفيه مواقع للنظر :
١ ـ اتّهامه أبا ذر بأنّه كان ينكر اقتناء المال على الأغنياء ... إلخ.
هذه النظريّة قديماً ما عزوها إلى الصحابيّ العظيم اختلاقاً عليه وزوراً ، وقد تحوّلت في الأدوار الأخيرة بصورة مشوّهة أخرى من نسبة الاشتراكيّة إليه ،
__________________
(١) البداية والنهاية : ٧ / ١٨٥ حوادث سنة ٣٢ ه.