جناية التاريخ
ما أكثر جناية التاريخ على ذوي الفضل والأحساب الذين تستفيد الأُمّة من تاريخ حياتهم ، وكرائم أخلاقهم ، وآثار مآثرهم ، ونفسيّاتهم الكاملة ، ومعاقد أقوالهم وبوالغ عظاتهم ، ودرر حكمهم ، وموارد إقدامهم وإحجامهم!
تجد التاريخ هنا يسرع السير فيُنسي ذكرهم ، ويغمط فضلهم ، أو يأتي بمجمل من القول في صورة مصغّرة ، أو يحوّر الكلام ومزيجه الخبر المائن أو رواية شائنة ، كلّ ذلك تأييداً لمبدإ ، وأخذاً بناصر نزعة ، وستراً على أقوام آخرين تمسّ الحقيقة الراهنة بهم وبكرامتهم ، وتبعاً لأهواء وشهوات من ساسة الوقت أو زعماء الزمن.
فمن هذه النواحي كلّها أغفل التاريخ عن التبسّط في حياة أبي ذر الماثلة بالفضائل والفواضل الشاخصة بالعبقريّة والكمال ، التي يجب أن تُتّخذ قدوة في السلوك والتهذيب ، وأن تكون للأمّة بها أسوة وقُدوة في التقوى والمبدأ.
البلاذري :
فتجد البلاذري يذكر حديث إخراج أبي ذر إلى الربذة من عدّة طرق بصورة مرّت في صفحة (٢٩٤) ويروي قول أبي ذر لحوشب الفزاري ـ وأبو ذر هو الذي ما أظلّت الخضراء ... إلخ ـ أُخرجت كارهاً. ثمّ عقّبه بأُكذوبة سعيد بن المسيّب ـ الذي كان من مناوئي العترة الطاهرة وشيعتهم ـ من إنكار إخراج عثمان إيّاه ، وأنّه خرج إليها راغباً في سكناها.
ولا يعلم المغفّل أنّ في ذلك تكذيباً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما أخبر أبا ذر بأنّه يُخرَج من المدينة كما مرّ (ص ٣١٦) بطرق صحيحة. وتكذيباً لمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام حيث قال لعثمان بعد وفاة أبي ذر في المنفى ، وقد صمّم عثمان أن يتبع ذلك بنفي عمّار : «يا عثمان