وما كانت الشريعة السمحاء تأتي بذلك الحكم الشاقّ الذي اتّهم به أبو ذر ؛ ولم يكن قطّ يقصده وهو شبيه عيسى في أُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم زهداً ونسكاً وبرّا وهدياً وصدقاً وجدّا وخلقاً.
هكذا وصفه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غير أنّ عثمان قال لمّا غضب عليه : أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب ، إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله. وكذّبه حين روى عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حديث بني العاص ، عجباً هذا جزاء من نصح لله ورسوله وبلّغ عنهما صادقاً؟ لاها الله هذا أدب يخصّ بالخليفة. وأعجب من هذا جواب عثمان لمولانا أمير المؤمنين لمّا دافع عن أبي ذر بقوله : «أُشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون». أجابه بجواب غليظ أخفاه الواقدي وما أحبّ أن يذكره ، ونحن وإن وقفنا عليه من طريق آخر لكن ننزّه الكتاب عن ذكره.
وقد تجهّم عثمان مرّة أخرى أمام أمير المؤمنين عليهالسلام بكلام فظّ ، لمّا شيّع هو وولداه السبطان أبا ذر في سبيله إلى المنفى ومروان يراقبه وقد مرّ تفصيله (ص ٢٩٤ ، ٢٩٧) وفيه قوله لعليّ عليهالسلام : ما أنت بأفضل عندي من مروان.
إنّ من هوان الدنيا على الله أن يقع التفاضل بين عليّ ومروان الوزغ ابن الوزغ اللعين ابن اللعين ، أنا لا أدري هل كان الخليفة في معزل عن النصوص النبويّة في مروان؟ أو لم يكن مروان ونزعاته الفاسدة بمرأى منه ومسمع؟ أو القرابة والرحم بعثته إلى الإغضاء عنها ، فرأى ابن الحكم عدلاً لمن طهّره الجليل ورآه نفس النبيّ الأعظم في الذكر الحكيم؟ كبرت كلمة تخرج من أفواهم ...
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (١)
__________________
(١) المائدة : ٥٠.