فما واجب أبي ذر عندئذٍ؟ وقد أمره النبيّ الأعظم في حديث (١) السبعة التي أوصاه بها ، بأن يقول الحقّ وإن كان مرّا ، وأمره بأن لا يخاف في الله لومة لائم. وما الذي يجديه قول عثمان : مالك وذلك؟ لا أُمّ لك؟ ولأبي ذر أن يقول له كما قال : والله ما وجدت لي عذراً إلاّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولم تكن لما رفع به أبو ذر عقيرته جدّة ليس لها سلف من العهد النبويّ ، فلم يهتف إلاّ بما تعلّمه من الكتاب والسنّة ، وقد أخده من الصادع الكريم من فَلق فيه ، ولم يكن صلىاللهعليهوآلهوسلم يسلب ثروة أحد من أصحابه وكان فيهم تجّار وملاّك ذوو يسار ، ولم يأخذ منهم زيادة على ما عليهم من الحقوق الإلهيّة ، وعلى حذوه حذا أبو ذر في الدعوة والتبليغ.
كان صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبره بما يجري عليه من البلاء والعناء وما يُصنع به من طرده من الحواضر الإسلاميّة : مكة ، والمدينة ، والشام ، والبصرة ، والكوفة. ووصفه عند ذلك بالصلاح وأمره بالصبر وأنّ ما يصيبه في الله ، فقال أبو ذر : مرحباً بأمر الله. فصلاح أبي ذر يمنعه عن الأمر بخلاف السنّة بما يخلّ نظام المجتمع ، وكون بلائه في الله يأبى أن يكون ما جرّ إليه ذلك البلاء غير مشروع.
وإن كان ذلك خلاف الصالح العام ولم تكن فيه مرضاة الله ورسوله لوجب عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن ينهاه عمّا سينوء به من الإنكار وهو يعلم أنّ تلك الدعوة تجرّ عليه الأذى والبلاء الفادح ، وتشوّه سمعة خليفة المسلمين ، وتسوّد صحيفة تاريخه ، وتبقى وصمة عليه مع الأبد.
__________________
(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات : ص ١٦٤ [٤ / ٢٢٩] من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : أوصاني خليلى بسبع : [أمرني] بحبّ المساكين والدنوّ منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً ، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرني أن أقول الحقّ وإن كان مُرّا ، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أُكثِر من لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. فإنّهنّ من كنزٍ تحت العرش. (المؤلف)