وفي فتح الباري (١) (٣ / ٢١٣) نقلاً عن غيره : الصحيح أنّ إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه. وتعقّبه النووي بالإبطال لأنّ السلاطين حينئذ كانوا مثل أبي بكر وعمر وعثمان وهؤلاء لم يخونوا. انتهى.
وفي هذا التعقيب تدجيل ظاهر ، فإنّ يوم هتاف أبي ذر بمناويه لم يكن العهد لأبي بكر وعمر ، وإنّما كان ذلك يوم عثمان المخالف لهما في السيرة مخالفة واضحة ، والمبائن للسيرة النبويّة في كلّ ما ذكرناه ؛ ولذلك كلّه كان سلام الله عليه ساكتاً عن هتافه في العهدين وكان يقول لعثمان : ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورأيت أبا بكر وعمر؟ هل رأيت هذا هديهم؟ إنّك تبطش بي بطش جبّار. ويقول : اتّبع سنّة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام. راجع (ص ٢٩٨ و ٣٠٦).
ولم يكن لأبي ذر منتدح من ندائه والدعوة إلى المعروف الضائع ، والنهي عن المنكر الشائع ، وهو يتلو آناء الليل وأطراف النهار قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢). قال ابن خراش : وجدت أبا ذر بالربذة في مظلّة شعر فقال : ما زال بي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لم يترك الحقّ لي صديقاً (٣).
وكان ينكر مع ذلك على معاوية المتّخذ شناشن الأكاسرة والقياصرة بالترفّه والتوسّع والاستئثار بالأموال ، وكان في العهد النبويّ صعلوكاً لا مال له ووصفه به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٤) وفي لفظ : إنّ معاوية ترب خفيف الحال (٥).
__________________
(١) فتح الباري : ٣ / ٢٧٥.
(٢) آل عمران : ١٠٤.
(٣) الأنساب : ٥ / ٥٥ ، ومرّ مثله من طريق آخر : ص ٢٩٤. (المؤلف)
(٤) صحيح مسلم : كتاب النكاح والطلاق : ٤ / ١٩٥ [٣ / ٢٩٠ ح ٣٦] ، سنن النسائي : ٦ / ٧٥ [٣ / ٢٧٤ ح ٥٣٥٢] ، سنن البيهقي : ٧ / ١٣٥. (المؤلف)
(٥) صحيح مسلم : ٤ / ١٩٩ [٣ / ٢٩٥ ح ٤٨]. (المؤلف)