مدفوع بحبّ بني أبيه وإن كانوا من الشجرة الملعونة في القرآن.
وما كان أبو ذر يمنعهم عن جلب الثروة من حقّها ، ولا يبغي سلب السلطة عمّن ملك شيئاً ملكاً مشروعاً ، لكنّه كان ينقم على أهل الأثرة على اغتصابهم حقوق المسلمين ، وخضمهم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، وما كان يتحرّى إلاّ ما أراد الله سبحانه بقوله عزّ من قائل : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، وما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الجهات الماليّة.
أخرج أحمد في مسنده (١) (٥ / ١٦٤ ، ١٧٦) من طريق الأحنف بن قيس قال : كنت بالمدينة فإذا أنا برجل يفرّ الناس منه حين يرونه ، قال : قلت : من أنت؟ قال : أنا أبو ذر صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال : قلت : ما يفرّ الناس منك؟ قال : إنّي أنهاهم عن الكنوز بالذي كان ينهاهم عنه رسول الله.
وفي لفظ مسلم في صحيحه (٢) (٣ / ٧٧) قال الأحنف بن قيس : كنت في نفر من قريش فمرّ أبو ذر رضى الله عنه وهو يقول : بشّر الكانزين بكيٍّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم ، وبكيٍّ من أقفيتهم يخرج من جباههم قال : ثمّ تنحّى فقعد إلى سارية ، فقلت : من هذا؟ قالوا : هذا أبو ذر ، فقمت إليه فقلت : ما شيء سمعتك تقول قُبَيْلُ؟ قال : ما قلت إلاّ شيئاً سمعته من نبيّهم صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال : قلت : ما تقول في هذا العطاء؟ قال : خذه فإنّ فيه اليوم معونة ، فإذا كان ثمناً لدينك فدعه. سنن البيهقي (٦ / ٣٥٩).
وأخرج أبو نعيم فى الحلية (١ / ١٦٢) من طريق سفيان بن عيينة بإسناده عن أبي ذر ، قال : إنّ بني أُميّة تُهدّدني بالفقر والقتل ؛ ولَبطن الأرض أحبّ إليّ من ظهرها ، ولَلفقر أحبّ إليّ من الغنى ، فقال له رجل : يا أبا ذر مالك إذا جلست إلى قوم قاموا وتركوك؟ قال : إنّي أنهاهم عن الكنوز.
__________________
(١) مسند أحمد : ٦ / ٢٠٦ ح ٢٠٩٤٠ ، ص ٢٢٤ ح ٢١٠٢٤.
(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٣٨٥ ح ٣٥.