وحده كما أخبره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي خوّله بتلكم الفضائل ، والله سبحانه من فوقهما نعم الخصيم للمظلوم ، فانظر لِمن الفَلْج (١) يومئذٍ.
لقد كان الخليفة يباري الريح في العطاء لحامّته ومن ازدلف إليه ممّن يجري مجراهم ، فملكوا من عطاياه وسماحه الملايين ، وليس فيهم من يبلغ شأو أبي ذر في السوابق والفضائل ، ولا يشقّ له غباراً في أُكرومة ، فما ذا الذي أخّر أبا ذر عنهم حتى قطعوا عنه عطاءه الجاري؟ ومنعوه الحظوة بشيء من الدعة ، وأجفلوه عن عقر داره وجوار النبيّ الأعظم ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، ولما ذا نودي عليه في الشام أن لا يجالسه أحد (٢)؟ ولما ذا يفرّ الناس منه في المدينة؟ ولما ذا حظر عثمان على الناس أن يقاعدوه ويكلّموه؟ ولما ذا يمنع الخليفة عن تشييعه ويأمر مروان أن لا يدع أحداً يكلّمه؟ فلم يحلّ ذلك الصحابي العظيم إلاّ محلاّ وعراً ، ولم يرتحل إلاّ إلى متبوّأ الإرهاب ، كأنّما خلق أبو ذر للعقوبة فحسب ، وهو من عرّفته الأحاديث التي ذكرناها ، وقصّته لعمر الله وصمة على الإسلام وعلى خليفته لا تُنسى مع الأبد.
نعم ؛ إنّ أبا ذر ينقم ما كان مطّرداً عند ذاك من السرف في العطاء من دون أيّ كفاءة في المعطى ـ بالفتح ـ ومخالفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك وفي كلّ ما يخالف السنّة الشريفة ، واضطهاد أهل السوابق من الأُمّة بيد أُمراء البيت الأمويّ رجال العيث والعبث ؛ وكانوا يحسبون عرش ذلك اليوم قد استقرّ على تلكم الأعمال ؛ فرأوا أنّ في الإصاخة إلى قيل أبي ذر وشاكلته من صلحاء الصحابة تزحزحاً لذلك العرش عن مستقرّه ، أو أنّ مُهمْلجة الجشع الذين حصّلوا على تلكم الثروات الطائلة خافوه أن يُسلب ما في أيديهم إن وعى واعٍ إلى هتافه ، فتألّبوا عليه وأغروا خليفة الوقت به بتسويلات متنوّعة حتى وقع ما وقع ، والخليفة أسير هوى قومه ، ومسيّر بشهواتهم ،
__________________
(١) الفَلْج : الظفر والفوز.
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات : ٤ / ١٦٨ [٤ / ٢٢٩]. (المؤلف)