اتّق الله فإنّك سيّرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك» (١). وتكذيباً لأبي ذر في قوله الآنف فيما رواه البلاذري نفسه من طريق صحيح : ردّني عثمان بعد الهجرة أعرابياً.
وتكذيباً لعثمان الذي روى عنه البلاذري أيضاً أنّه لمّا أنهي إليه نعي أبي ذر قال : رحمهالله. فقال عمّار : نعم فرحمهالله من كلّ أنفسنا. فقال عثمان : يا عاضّ أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟ ـ يأتي تمام الحديث في مواقف عمّار.
وتكذيباً لما رواه البلاذري أيضاً عن كميل بن زياد النخعي في حديث أسلفنا (ص ٢٩٤) وتكذيباً ، وتكذيباً.
ولا يعلم المسكين أنّ تلك الحادثة الفجيعة المتعلّقة بعظيم من عظماء الصحابة كأبي ذر وقد كثر حوله الحوار والأخذ والردّ وتوفّرت النقمة والنقد حتى عُدّت من عظائم الحوادث ، وسار بحديثها الركبان ، وتذمّر لها المؤمنون ، وشمت فيها من شمت ، ونقم بها على الخليفة ، وكان ممّا استتبعها أنّ ناساً من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة : إنّ هذا الرجل فعل بك وفعل ، هل أنت ناصب لنا راية؟ يعني نقاتله. فقال : لا ، لو أنّ عثمان سيّرني من المشرق إلى المغرب سمعت وأطعت (٢).
وقال ابن بطّال كما في عمدة القاري للعيني (٣) (٤ / ٢٩١) : إنّما كتب معاوية يشكو أبا ذر لأنّه كان كثير الاعتراض عليه والمنازعة له ، وكان في جيشه مَيل إلى أبي ذر ، فأقدمه عثمان خشية الفتنة لأنّه كان رجلاً لا يخاف في الله لومة لائم.
فما كنت يومئذٍ تمرّ بحاضرة من الحواضر الإسلاميّة إلاّ وتجد توغّلاً من أهلها في هذا الحديث ، وتغلغلاً بين أرجائها من جرّاء ذلك الحادث الجلل.
__________________
(١) سيوافيك الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى. (المؤلف)
(٢) طبقات ابن سعد : ٣ / ٢١٢ [٤ / ٢٢٧]. (المؤلف)
(٣) عمدة القاري : ٨ / ٢٦٢ ح ١١.