وكذلك لو أخذنا بعمومها في الرجال والنساء كما جوّزه الجصّاص لوجب أن نبيح للمرأة المالكة أن يطأها من تملكه ، وهذا لا يحلُّ إجماعاً من أئمّة المذاهب ، وقال ابن حزم في المحلّى (٩ / ٥٢٤) : لا خلاف بين أحد من الأُمّة كلّها قطعاً متيقّناً في أنّه ليس على عمومه ، بل كلّهم مجمع قطعاً على أنّه مخصوص ، لأنّه لا خلاف ولا شكّ في أنّ الغلام من ملك اليمين وهو حرام لا يحلُّ ، وأنّ الأُمّ من الرضاعة من ملك اليمين والأُخت من الرضاعة من ملك اليمين ، وكلتاهما متّفق على تحريمهما ، أو الأمة يملكها الرجل قد تزوّجها أبوه ووطأها وولد منها حرام على الابن.
وقال : ثمّ نظرنا في قوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ). (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ). (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) (١). ولم يأت نصّ ولا إجماع على أنّه مخصوص حاش زواج الكتابيّات فقط ، فلا يحلُّ تخصيص نصّ لا برهان على تخصيصه ، وإذ لا بدّ من تخصيص ما هذه صفتها أو تخصيص نصّ آخر لا خلاف في أنّه مخصوص ، فتخصيص المخصوص هو الذي لا يجوز غيره. انتهى.
وأمّا ما قيل (٢) من أنّ الآية المحلّلة قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) في ذيل آية عدّ المحرّمات فباطل أيضاً ، فإنّه بمنزلة الاستثناء ممّا قبله من المحرّمات ومنها الجمع بين الأُختين ، وقد عرفت أنّ الأُمّة صحابيّها وتابعيّها وفقهاءها مجمعة على عدم الفرق في حرمة الجمع بين الأُختين في الوطء نكاحاً وملك يمين ، ولم يفرّقوا بينهما قطُّ ، وهو الحجّة ، على أنّ ملاك التحريم في النكاح وهو الوطء موجود في ملك اليمين ، فالحكم فيهما شرع سواء في المراد ممّا وراء ذلك هو ما وراء المذكورات كلّها من الأُمّهات والبنات إلى آخر ما فيها ، ومنها الجمع بين الأُختين بقسميه.
__________________
(١) البقرة : ٢٢١.
(٢) تفسير القرطبي : ٥ / ١١٧ [٥ / ٧٧] ، تفسير ابن كثير : ١ / ٤٧٤ (المؤلف)