خلاف الحقّ لا يُتّبع كما قاله لعثمان (١) ولا يجتمع شيء من ذلك مع ما قذفوه به من الطامّة الكبرى.
كانت الصحابة كلّهم المهاجرون منهم والأنصار ينقمون ما نيل به أبو ذر من النفي والتعذيب ، وكان قيل النقمة بين شفاههم ، وفي طيّات قلوبهم ، وأسطر خطاباتهم ، يوم التجمهر ويوم الدار ، وكانت إحدى العلل المعدّة لما جرى هنالك من مغبّات الأعمال ، فلم تكن الغضبة عمّن ذكرنا أسماءهم بدعاً من جمهرة الأصحاب ، غير أنّ منهم من صبّها في بوتقة الإطراء لأبي ذر ؛ ومنهم من أفرغها في قالب العيب على من نال منه ، ولهم هنالك لهجات مختلفة في الصورة متّحدة في المآل ، ولذلك عدّ المؤرّخون ممّا أنكر الصحابة من سيرة عثمان تسييره أبا ذر. وقال البلاذري : قد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمّار ، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر (٢).
وهذه النقمة العامّة المنبعثة عن مودّة القوم لأبي ذر مودّة خالصة دينيّة وإخاء في الإيمان وولاء في الطريقة المثلى. كلّ ذلك أخذاً بما وعوه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أبي ذر وهديه وسمته ونسكه وتقواه وإيمانه وصدقه لا تلتئم مع شيء ممّا قذفوا به أبا ذر من الشيوعيّة ، أو تقول : إنّ الصحابة كلّهم شيوعيّون؟ أعوذ بالله من الفرية الشائنة. ولو كان أبو ذر شيوعيّا كان في الحقّ نفيه عن أديم الأرض لا عن المدينة فحسب ، وكان من واجب الصحابة أن يرضوا بذلك الحكم البات. قال الله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
__________________
(١) راجع صفحة : ٢٩٧ و ٣٠٢. (المؤلف)
(٢) أنساب البلاذري : ٥ / ٢٦ ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٥٠ [٢ / ١٧٠ ـ ١٧١] ، مروج الذهب : ١ / ٤٣٨ ، ٤٤١ [٢ / ٣٥٦ ، ٣٦٢] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٢٤ [٣ / ٧٣ ـ ٧٥] ، تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٣٨٥ [٢ / ٥٨٧] ، الصواعق : ص ٦٨ [ص ١١٤] ، تاريخ الخميس : ٢ / ٢٦١ [٢ / ٢٦٨]. (المؤلف)