ويحرم الفقراء خاصّة عن حقوقهم المجعولة فيهما من ناحية الدين ، وقد فصّلنا القول في هذه كلّها.
٣ ـ ما رواه من قصّة كعب الأحبار : لقد أقرأناك المأثور من هذه القصّة وكيفيّة الحال فيها واختلاف ألفاظها ، وليس في شيء منها أكثر ما لفّقه الآلوسي من قول الرجل لأبي ذر : إنّ الملّة الحنيفية. إلخ. ومن استعاذته بظهر عثمان ، وعدم اكتراث أبي ذر لذلك ووقوع الضربة على عثمان ، وليته ذكر لما تقوّله مصدراً ولو من ٣ ـ أضعف الكتب أو من مدوّنات القصّاصين ، لكنّه أراد أن ينشب على أبي ذر ثورة وهو في عالم البرزخ بوقوع الضربة على عثمان ؛ غير أنّه أخفق ظنّه وأكدى أمله بفضل التنقيب الصحيح.
ونذكر لك هنا لفظ أحمد في مسنده (١) (١ / ٦٣) من طريق مالك بن عبد الله الزيادي عن أبي ذر : أنّه جاء يستأذن على عثمان بن عفّان رضى الله عنه فأذن له وبيده عصاه ، فقال عثمان رضى الله عنه : يا كعب إنّ عبد الرحمن توفّي وترك مالاً ، فما ترى فيه؟ فقال : إن كان يصل فيه حقّ الله فلا بأس [عليه]. فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعباً وقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ما أُحبّ لو أنّ لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبّل منّي أذر خلفي منه ستّ أواق». أُنشدك الله يا عثمان أسمعته؟ ثلاث مرّات. قال : نعم.
ومنه يتجلّى أنّها قضيّة في واقعة ترجع إلى مال عبد الرحمن بن عوف الذي ترك ذهباً قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه ، وبلغ ربع ثُمنه ثمانين ألفاً ، وقد أُعطي له ذلك بغير استحقاق من مال الله الذي يستوي فيه المسلمون ، فكانت أثرة ممقوتة واكتنازاً منهيّا عنه ، وما كانت فتوى كعب تُبرّر شيئاً من عمله ، لأنّه لم يكن من نماء زرع أو نتاج ماشية أو ربحاً من تجارة حتى يطهّره إخراج حقوق الله منه ، وإنّما كان المال كلّه لله ، وأفراد المسلمين فيه شرع سواء ، وإن كان لابن عوف فيه حقٌّ فعلى زنة بقيّة المسلمين فحسب.
__________________
(١) مسند أحمد : ١ / ١٠٢ ح ٤٥٥. وما بين المعقوفين منه.