والعجب من هذا الاستفتاء ومن توجيهه إلى كعب خاصّة ـ وهو يهوديّ قريب العهد بالإسلام ـ وفي المنتدى مثل أبي ذر عالم الصحابة ، والمستفتي جدّ عليم بحقيقة ذلك المال لأنّه هو الذي أدرّه عليه جزاء حسن اختياره للخلافة يوم الشورى ، ولم تكن ثروته الشخصيّة تفي بتلكم العطايا الجزيلة ، فليس لها مدرّ إلاّ مال الله ، فعلى أبي ذر البصير بمواقع أحكام الشرع أن ينكر تلكم المنكرات على من استباح ذلك العطاء ، وعلى من استباح أخذه واكتنازه ؛ وعلى من حاول أن يُبرّر تلكم الأعمال. (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وإن كانت توجب نظريّة أبي ذر هذه الشيوعيّة أو الاشتراكيّة فقد سبقه إليها الخليفة الثاني ببيان أوفى وتقرير أوضح ، أخرجه الطبري في تاريخه (١) (٥ / ٣٣) من طريق أبي وائل ، قال : قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسّمتها على فقراء المهاجرين.
وأخرجه ابن حزم في المحلّى (٦ / ١٥٨) فقال : هذا إسناد في غاية الصحّة والجلالة.
وفي عصر المأمون (٢) (١ / ٢) : حرّم عمر بن الخطّاب على المسلمين اقتناء الضياع والزراعة لأنّ أرزاقهم وأرزاق عيالهم وما يملكون من عبيد وموال ، كلّ ذلك يدفعه لهم من بيت المال ، فما بهم إلى اقتناء المال من حاجة.
نعم ؛ عزبت عن اللجنة نظريّة الخليفة الثاني في ناحية المال ، أو أنّ عظمة الخلافة صدّتهم عن الجرأة عليه ، لكنّ أبا ذر لم يكن خليفة فتمنعهم عظمته عن التقوّل
__________________
(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٢٢٦ حوادث سنة ٢٣ ه.
(٢) لمؤلفه أحمد فريد رفاعي ، المفتش في وزارة الداخلية المصرية سابقاً.