والإمعان في هذه المأثورات من الأحاديث والكلم يعطي حصول الإجماع على جواز تقديم الإحرام على الميقات ، وأنّ الخلاف في الأفضل من التقديم والإحرام من الميقات ، لكن الخليفة لم يعط النظر حقّه ، ولم يوفِ للاجتهاد نصيبه ، أو أنّه عزبت عنه السنّة المأثورة ، فطفق يلوم عبد الله بن عامر ، أو أنّه أحبّ أن يكون له في المسألة رأي خاصّ ، وقد قال شمس الدين أبو عبد الله الذهبي :
العلمُ قال اللهُ قال رسولُه |
|
إن صحَّ والإجماعُ فاجهد فيهِ |
وحذارِ من نصبِ الخلافِ جهالةً |
|
بين الرسولِ وبين رأي فقيهِ |
وهلمّ معي واعطف النظرة فيما ذكرناه عن ابن حزم من أنّ عثمان لا يعيب عملاً صالحاً ... الى آخره. فإنّه غير مدعوم بالحجّة غير حسن الظنّ بعثمان ، وهذا يجري في أعمال المسلمين كافّة ما لم يزع عنه وازع ، وسيرة الرجل تأبى عن الظنّ الحسن به ، وأمّا مسألتنا هذه فقد عرفنا فيها السنّة الثابتة وأنّ نهي عثمان مخالف لها ، وليس من الهيّن الفتُّ في عضد السنّة لتعظيم إنسان وتبرير عمله ، فإنّ المتّبع في كافّة القُرَب ما ثبت من الشرع ، ومن خالفه عِيب عليه كائناً من كان.
وأمّا تشبّثه بالهوان بالنسك فتافه جدّا ، وأيّ هوان بها في التأهّب لها قبل ميقاتها بقربةٍ مطلقة إن لم يكن تعظيماً لشعائر الله ، وإنّما الهوان المحرّم بالنسك إدخال الآراء فيها على الميول والشهوات ، (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (١).
ـ ٢٢ ـ
لو لا عليٌّ لهلك عثمان
أخرج الحافظ العاصمي في كتابه زين الفتى في شرح سورة هل أتى ؛ من
__________________
(١) النحل : ١١٦.