سنة (١٦٣) ، الذي فسّر المقارفة بالذنب ، وأيّد البخاري كلامه بقوله : ليقترفوا : ليكتسبوا ، وسريجاً المتوفّى سنة (٢١٧) هم أقدم من تكلّم فيه ، وقال الخطابي (١) : معناه لم يذنب (٢). وجاء ابن بطّال (٣) وخصّه بمقارفة النساء ، وجمع بينهما العيني (٤) ، وأيّا ما كان فلا شكّ في أنّه أمر استحقّ من جرّائه عثمان الحرمان من النزول في قبر زوجته ابنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان أولى الناس بها ، والمسلمون كلّهم كانوا يعلمون ذلك ، لكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الداعي إلى الستر على المؤمنين والإغضاء عن العيوب ، الناهي عن إشاعة الفحشاء في كتابه الكريم ، والمانع عن التجسّس عمّا يقع في الخلوات ، المبعوث لإعزاز أهل الدين ، شاءَ ـ وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ـ أن يستثني مورداً واحداً تلوّح بأمر عظيم حرم لأجله عثمان من الحظوة بالنزول في قبر حليلته أو معقد شرفه بصهر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وواسطة مفخره بهاتيك الصلة ، فعرف المسلمون ذلك المقتضي بالطبع الأوّل وهذا المانع من المقارفة المختلف في تفسيرها ، فإن كان ذنباً أثّر في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن حطّ من رتبته بما قلناه. ولو كانت صغيرة وهي غير ظاهرة تستّر عليها ، لكنّها بلغت من الكبر حدّا لم يَرَ صلىاللهعليهوآلهوسلم سترها ؛ ولا رعى حرمةً ولا كرامةً لمقترفها ، فإن كانت سيّئة هذا شأنها ، فلا خير فيمن يجترح السيّئات.
وإن أُريدت مقارفة النساء على الوجه المحلّل فهي من منافيات المروءة ومن لوازم الفظاظة والغلظة ، فأيّ إنسان تحبّذ له نفسه التمتّع بالجواري في أعظم ليلة عليه هي ليلة تصرّم مجده ، وانقطاع فخره ، وانفصام عرى شرفه ، فكيف هان ذلك على الخليفة؟ فلم يراعِ حرمة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم واستهانت تلك المصيبة العظيمة فتلذّذ
__________________
(١) أبو سليمان حمد بن محمد البستي صاحب التآليف القيّمة المتوفّى ٣٨٨. (المؤلف)
(٢) ذكره العيني في عمدة القاري : ٤ / ٨٥ [٨ / ٧٦ ح ٤٦]. (المؤلف)
(٣) ذكر كلامه السهيلي في الروض الأُنف : ٢ / ١٠٧ [٥ / ٣٦٢] كما مرّ بلفظه. (المؤلف)
(٤) في عمدة القاري : ٤ / ٨٥ [٨ / ٧٦ ح ٤٦]. (المؤلف)