والتحقيق أن ما عدّ من الوضع على أنحاء :
منها : ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل تشريعاً أصلاً لا استقلالاً ولا تبعاً وان كان مجعولا تكويناً عَرَضاً بعين جعل موضوعه كذلك (١).
______________________________________________________
(١) أي : تكويناً ، كجعل دهنية الدهن ، فانها مجعولة تكويناً بجعل الدهن وإيجاده.
ثم إنه قد يتوهم التنافي بين ما أفاده المصنف (قده) في أول البحث من صدق الحكم ببعض معانيه على الوضع وبين ما أفاده هنا من إخراج القسم الأول من الأحكام الوضعيّة طرّاً ، لأنها غير مجعولة لا استقلالاً ولا تبعاً ، إذ لا يتمشى صدق الحكم الشرعي على ما لا يقبل الجعل أصلاً.
لكنه مندفع بأن حقيقة الحكم الوضعي وان كانت متقومة بأحد نحوي الجعل ، إلّا أن ذكر القسم الأول ـ الخارج عن الأحكام الوضعيّة حقيقة ـ إنما هو للمماشاة مع القوم حيث عدوا السببية للتكليف مثلاً من الوضعيات ، مع وضوح عدم صدق ضابط الحكم بمعنى المجعول الشرعي التأسيسي أو الإمضائي عليها ، ولأجل
__________________
تارة بأن الانتزاعيات موجودة عرضا ، لقوله في الحاشية : «فيكون كل واحد منهما مجعولاً بالعرض تشريعاً بعين جعل الآخر بالذات ، وهذا كما أنه جعل الماهية تكويناً موجباً لجعل لوازمها بالعرض كذلك بعين ذاك الجعل» (١) وعليه فمقصوده من الجعل التبعي هنا هو الجعل العرضي ، وقوله في المتن : «وان كان الصحيح انتزاعه من إنشائه وجعله» يدل عليه أيضا. وعبّر أخرى بما يدل على تعدد الوجود كما هو ظاهر كلامه في بحث الأقل والأكثر الارتباطيين : «وان الجزئية مسببة عن التكليف ، بداهة أن السببية والمسببية تقتضيان الاثنينية لا الاتحاد والعينية» وهذا كما ترى لا يلائم الوجود العرضي المدعى هنا. ومع هذا التهافت بين الكلامين يشكل توجيه التبعية التي اصطلح عليها هنا ، فتأمل في العبارة.
__________________
(١) حاشية الرسائل ، ص ١٩٧ و ١٥٤