وأما النحو الثاني (١) فهو
______________________________________________________
(١) يعني : ما لا يمكن الجعل فيه إلّا تبعاً للحكم التكليفي ، وهو كل ما له دخل في المكلف به بأن يكون جزءاً أو شرطا أو مانعا أو قاطعا له ، وحاصل ما أفاده في هذا القسم هو : أن جزئية شيء للمأمور به وأخواتها لا تنتزع إلّا من أمر يتعلق بأمور متعددة تقوم بها مصلحة واحدة تدعو الشارع أو غيره ممن بيده الاعتبار إلى إنشاء أمر واحد وحكم فارد بتلك الأمور ، وما لم يتعلق أمر وحداني بها لا يتصف شيء منها بالجزئية للمكلف به ، بداهة أن اتصاف شيء بكونه مأمورا به منوط بتعلق الأمر به ، فاتصاف ما له دخل في متعلق الأمر بالجزئية ونحوها موقوف أيضا على تعلق الأمر بجملة تلك الأمور. نعم لا يتوقف اتصاف شيء بجزئيته للمتصوّر أو لذي المصلحة على تعلق أمر بتلك الأمور ، لكون دخله فيه تكوينيا لا اعتباريا.
__________________
وكذا في الشرطية للتكليف ، فالدلوك مثلا كما أنه شرط تأثير المصلحة المقتضية لإيجاب الصلاة كذلك شرط لكون إنشاء الأمر بالصلاة مصداقا حقيقيا للبعث ، ومن المعلوم أن اتصاف الدلوك بالمصداقية للإنشاء بداعي جعل الداعي لا موقع له إلّا مرحلة الطلب المنوط بالدلوك ، وهو أمر زائد على توقف تأثير المصلحة عليه ، فالدلوك كالطهارة ، فكما أنها ما لم يتقيد الأمر بها لا تتصف بالشرطية للواجب كذلك دلوك الشمس ، فهو متمم قابلية الإنشاء لانتزاع البعث منه.
وبهذا ظهر أن ما لا يقبل الجعل هو العلية بمعنى دخل شيء في التأثير واقعا ، فانها ماهوية لا جعلية تكوينا ولا تشريعا ، وما يقبل الجعل هو الدخل في اتصاف الإنشاء بكونه بعثا حقيقيا ، فانها مجعولة بتبع جعل منشأ الانتزاع (١).
وهذا إشكال متين ، وعليه فما أفاده المصنف في القسم الأول من عدم تطرق الجعل إليها لا يخلو من شيء.
__________________
(١) نهاية الدراية ٣ ـ ٥٣