ولا يخفى (١) أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ
______________________________________________________
(١) هذا إشارة إلى المقام الثاني أي مقام الإثبات وتعيين أحد الاحتمالات الثلاثة بحسب اقتضاء الدليل ، حيث ان النقض يختلف باختلاف الموضوع دليلا وعقلا وعرفا ، فيصدق بالنسبة إلى موضوع الدليل مثلا ، ولا يصدق بالنسبة إلى الموضوع العرفي ، فلا يصدق النقض على عدم ترتيب أحكام العنب على الزبيب بحسب موضوع الدليل ، ويصدق بحسب الموضوع العرفي ، فلا بد من تعيين الموضوع بالدليل حتى يكون هو المناط في الاتحاد.
وتوضيح ما أفاده المصنف (قده) في ذلك هو : أن خطاب «لا تنقض» الّذي هو مستند الاستصحاب من الخطابات الشرعية الملقاة إلى العرف ، ومن المعلوم أن المرجع في فهمها وتشخيص مرادات الشارع منها هو العرف ، إذ لو لم يكن نظرهم في ذلك حجة مع أنهم هم المخاطبون بها فلا بد من نصب قرينة عليه ، كأن يقول : «استظهار العرف من جميع الخطابات حجة الا في باب الاستصحاب فان المعتبر فيه هو حكم العقل بصدق النقض» وإلّا يلزم الإخلال بالغرض ، وحيث انه لم يرد هذا التخصيص من الشارع فيستكشف منه اعتبار ما يستفيدونه من الخطابات وان لم يساعده العقل ولا ظاهر الدليل. وعليه فيكون مناط الاتحاد هو الموضوع العرفي دون الموضوع الدقي العقلي والدليلي.
وبالجملة : فحمل أدلة الاستصحاب على نظر العقل تخصيص في الخطابات بلا قرينة توجبه.
ويمكن أن يكون كلام المصنف ناظرا إلى منع ما يتوهم من «أن المحذور في التعويل على نظر العقل في المقام هو اقتضاؤه لاختصاص الاستصحاب بالشك في الرافع» لوضوح عدم سلامة هذا التعليل عن العلة ، لأن الشيخ (قده) التزم باختصاص أدلة الاستصحاب بالشك في الرافع استنادا إلى الشك في صدق النقض عرفا ، وليس منشأ ذلك التفصيل عرض أدلة الاستصحاب على النّظر العقلي حتى يكون الحاكم بعدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي هو العقل.