وأما حديث الحكومة (١) فلا أصل له أصلا ،
______________________________________________________
(١) وهو الّذي اختاره الشيخ الأعظم (قده) فانه جعل تقدم أدلة الأمارات على أدلة الاستصحاب على وجه الحكومة ، فانه جعل الحكومة تنزيل شيء خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في الآثار الشرعية ، كتنزيل الطواف منزلة الصلاة في الأحكام ، أو تنزيل شيء داخل في موضوع منزلة ما هو خارج عنه في عدم ترتيب أحكامه عليه ، كتنزيل الصلاة رياء أو بلا ولاية أو بلا طهارة منزلة عدمها في عدم ترتيب أحكام الصلاة عليها.
قال الشيخ في الأمر الثالث مما يعتبر في جريان الاستصحاب : «ومعنى الحكومة أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب رفع اليد عما يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا الدليل الحاكم ، أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم ... ففيما نحن فيه إذا قال الشارع : اعمل بالبينة في نجاسة ثوبك ، والمفروض أن الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب ، فان الشارع جعل الاحتمال المخالف للبينة كالعدم ، فكأنه قال : لا تحكم على هذا الشك بحكمه المقرر في قاعدة الاستصحاب وافرضه كالمعدوم» فحكومة البينة على الاستصحاب على ما أفاده عبارة عن تنزيل احتمال الخلاف الّذي هو مفاد الاستصحاب منزلة العدم في عدم ترتيب حكم نقض اليقين بالشك عليه ، وترتيب آثار ضد الحالة السابقة وهو ما قامت البينة عليه من نجاسة الثوب في المثال ، فلا يجري استصحاب طهارته المتيقنة سابقا المشكوكة لاحقا ، لأن احتمال الطهارة ملغى بمقتضى البينة القائمة على النجاسة.
وببيان أوضح : دليل اعتبار الأمارة ـ كآية النبأ ـ يدل على وجوب تصديق العادل وإلغاء احتمال خلافه ، فإذا أخبر العادل بحرمة العصير العنبي المغلي قبل ذهاب ثلثيه مثلا كان مقتضى وجوب تصديقه إلغاء احتمال خلاف حرمته وهو حليته ، ومن المعلوم أن هذا الاحتمال مورد استصحاب الحلية ، وهو منفي تنزيلا بخبر العادل بالحرمة ، فالأمارة المعتبرة نافية لموضوع الاستصحاب تنزيلا وإن كان باقيا تكوينا ،