أمارة معتبرة على خلافه
______________________________________________________
يدعى بقاء الشك وجدانا فيما تيقنه سابقا بعد قيام الأمارة على أحد طرفي الشك ، ويبطل دعوى الورود ، لما عرفت من تعلق النهي بنفس «نقض اليقين بالشك» وحينئذ فان كان السبب في رفع اليد عن اليقين السابق نفس الشك في البقاء كان ذلك منهيا عنه بمقتضى «لا تنقض» وإلّا فلا.
وعلى هذا فان قامت أمارة معتبرة كخبر العدل والبينة على أمر كان اللازم الأخذ بها سواء وافقت الحالة السابقة أم خالفتها ، وذلك لارتفاع موضوع الاستصحاب ـ أعني نقض اليقين بالشك ـ بقيامها ، لكون نقض اليقين حينئذ باليقين لا بالشك ، فان الأمارة المعتبرة وإن لم توجب اليقين بالواقع ، لإمكان مخالفتها للواقع ، لكن مفاد دليل اعتبار الأمارة هو اليقين بالحكم بعنوان ثانوي كعنوان «ما أخبر به العادل» أو «ما شهدت البينة به» ونحو ذلك من العناوين المستفادة من أدلة الاعتبار ، مثلا إذا علمنا بنجاسة الثوب وأخبرت البينة بتطهيره ، فالطهارة الواقعية وإن لم تكن معلومة بعنوانها الأوّلي ، إلّا أن طهارته بعنوان «ما شهدت به البينة» معلومة ، ويكون نقض اليقين بالنجاسة بسبب اليقين بالطهارة لا بالشك فيها حتى يكون منهيا عنه.
نعم لو كان موضوع الاستصحاب نفس اليقين والشك لم ينطبق ضابط الورود على المقام ، لبقاء الشك وجدانا في الطهارة بعد قيام البينة. ولكن لما كان الموضوع «نقض اليقين بالشك» لم يكن نقض اليقين بالنجاسة بعد قيام البينة نقضا له بالشك ، بل نقضا له باليقين بطهارته وإن كان يقينا بها بعنوان ثانوي أي بعنوان «ما أخبرت به البينة» وهذا معنى الورود الّذي يرتفع به موضوع الاستصحاب حقيقة ببركة دليل اعتبار الأمارة. والشك في الحكم الواقعي كالطهارة في المثال المتقدم وإن كان باقيا بعد قيام الأمارة ، إلّا أنه لا منافاة بين الشك في شيء من وجه والعلم به من وجه آخر ثانوي أعني بعنوان ما قامت الأمارة عليه (١).
__________________
(١) حاشية الرسائل ، ص ٢٣٥