المجازيّ اللغويّ. أمّا في المجازيّ العقليّ ؛ بأن يسند اللفظ إلى أمرين معا : إلى أحدهما بطريق الحقيقة ، وإلى الآخر بطريق المجاز فلا. ثمّ لا خفاء بما في هذا الوجه من البعد في المعنى.
الوجه الثاني : أنّ هذا عطف لفظيّ ، لم يقصد به التشريك في المعنى. وهذا القول مشكل في الظاهر لمخالفته لما عليه إطباق النحويّين من أنّ الواو العاطفة للمفرد تقتضي التشريك في اللفظ والمعنى ، ولم أر من وفّاه حقّه من الشرح. وأقول :لا خفاء بأنّ المعنى : أنت أعلم بمالك. وهذا هو أصل الكلام. ثمّ إنّ العرب أنابوا واو العطف عن باء الجرّ ، للتوسيع في الكلام ، وليتناسب اللفظان المتجاوران ، وليفاد بالحرف الواحد معنى الحرفين ؛ فإنّ الواو حينئذ تفيد في المعنى الإلصاق لنيابتها عن حرف ، وتفيد في اللفظ تشارك الاسمين في الإعراب اعتبارا بأصلها وظاهر لفظها. وعلى هذا فاللفظ لفظ المعطوف ، والمعنى معنى المفعول ، فلا إشكال في اللفظ ولا في المعنى. وليس هذا من البدل التصريفيّ الذي لحظ فيه قرب المخرج ، أو اتّحاده ، كما أبدلت واو القسم من بائه حين كانا حرفين شفهيّين ، لأنّ ذلك يقتضي الاشتراك في العمل ؛ وإنّما هو من باب ترك كلمة ، والإتيان بأخرى مكانها لتقارب معناها ـ كالإتيان بالواو في نحو «سرت والنّيل» مكان «مع» ـ لكون الباء للإلصاق ، وواو العطف للجمع ، وهما متقاربان.
والذي يدلّ على مجيء الواو خلفا عن الباء قولهم : «بعت الشّاء شاة ودرهما» أي شاة بدرهم ؛ لأنّا قاطعون بأنّ الدّرهم ثمن لا مبيع ، ولأنّهم قالوا أيضا : «بعت الشاء شاة بدرهم». وهذا الذي ذكرته هو أصحّ وأوضح ما يقال في المسألة. ومتبوعي فيه الجرمي من المتقدّمين ، وابن مالك من المتأخّرين. فمن كلامهما أخذت ، وعلى ما أشارا إليه اعتمدت. أمّا الجرميّ : فإنّه نصّ على أنّ الواو هنا بمعنى الباء ولكنّه أهمل التنبيه على فائدة هذا العطف. وأمّا ابن مالك (١) فلأنّه ذكر أنّ المقصود التناسب اللفظيّ ، وأنّه كالخفض على الجوار ، ولكنّه أهمل التنبيه على نيابة الواو عن الباء ، وذلك هو الذي انبنى عليه كون هذا العطف ، لا يقتضي التشريك في الحكم. وقد وفّيت بجميع ما قالا ، وأضفت إليه ما لم يذكرا ممّا لا بدّ منه. ويظهر لي أنّ الصواب خلاف ما زعماه ، من أنّ المعطوف عليه المبتدأ ، وأنّ الصواب أنّه الخبر. وهو قول ابن طاهر ؛ وذلك لأنّه حمل على الأقرب ، وأنّ هذا العطف كالخفض في «هذا جحر ضبّ خرب» (٢) ، وذلك يقتضي تجاور الاسمين ، ولأنّ الباء
__________________
(١) انظر قاعدة (الخفض على الجوار) في المغني (٧٦٠).
(٢) انظر الكتاب (١ / ١١٣).