وأقول : إنّ المجوّز لذلك هو الصّيمريّ (١) ، نصّ عليه في التّبصرة ولم يتعرّض لهذا المثال. وظاهر كلام ابن مالك أنّ النصب فيه لا يجيزه أحد فإنّه قال ـ وقد ذكر «أنت ورأيك» و «أنت أعلم ومالك» ـ ما نصّه : «ولا خلاف في وجوب الرفع فيما أشبه المثالين المذكورين (٢) ، ومن ادّعى جواز النصب في نحو «كلّ رجل وضيعته» على تقدير : كلّ رجل كائن وضيعته ، فقد ادّعى ما لم يقله عربيّ انتهى. فخصّ نحو «كلّ رجل وضيعته» بالخلاف.
والذي يظهر في الفرق بينهما أمران :
أحدهما : ظهور معنى المعيّة في «كلّ رجل وضيعته» ، وخفاؤه في «أنت أعلم ومالك» ، وقد مضى شرح ذلك.
والثاني : أنّه بني الجواز على أنّ التقدير : كلّ رجل كائن وضيعته ، كما تقدّم عنه. و «كائن» يصحّ له أن يعمل في المفعول معه ؛ وأمّا «أنت أعلم ومالك» فإنّ ما قبل الواو منه كلام تامّ ، فلا يمكن أن يقدّر فيه عامل. ولا يصلح «أعلم» للعمل في المفعول معه ، لأنّه لا يعمل فيه على الصحيح ، إلّا ما يصحّ له العمل في المفعول به ، لا كلّ ما يصحّ له العمل في الحال ، خلافا لأبي عليّ. ولهذا منع سيبويه «هذا لك وأباك» (٣) ، وإن وجد حرف التنبيه والإشارة والظرف ، وكلّ منهن صالح للعمل في الحال. والفرق بينهما ، أنّ الحال شبيهة بالظرف ، فعمل فيها روائح الفعل ، ولا كذلك المفعول معه. ولو صحّ معنى المعيّة في المثال المذكور وقال قائل بجواز النصب فيه لأمكن توجيهه إمّا على قول الجرجانيّ أو الكوفيّ أو الفارسي في أنّ الناصب للمفعول معه (الواو) أو الخلاف أو كلّ ما ينصب الحال. ولهذا جوّز الفارسيّ «هذا لك وأباك» ، وجوّز في قوله :[البسيط]
٦١٩ ـ [لا تحسبنّك أثوابي فقد جمعت] |
|
هذا ردائي مطويّا وسربالا |
أن يكون العامل «هذا». ثم قال :
السؤال الرابع : وما توجيه القول بوجوب حذف الخبر من نحو : «أنت أعلم
__________________
(١) الصّيمريّ : هو عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمريّ النحوي ، أبو محمد ، له كتاب «التبصرة في النحو» ، كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب (انظر بغية الوعاة ٢ / ٤٩).
(٢) انظر الكتاب (١ / ٣٦٠).
(٣) انظر الكتاب (١ / ٣٧٠) أما «هذا لك وأباك» فقبيح أن تنصب «الأب» لأنه لم يذكر فعلا ولا حرفا فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلّم بالفعل.
٦١٩ ـ الشاهد بلا نسبة في الدرر (٣ / ١٥٤) ، وشرح الأشموني (١ / ٢٢٤) ، وشرح التصريح (١ / ٣٤٣) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٨٦).