الخامسة : أن يكون جواب الشّرطين محذوفا. فليس من الاعتراض نحو (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) [هود : ٣٤] الآية ، وكذلك (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها) [الأحزاب : ٥٠] الآية ، خلافا لجماعة من النحويّين منهم ابن مالك وحجّتنا على ذلك أنّا نقول : نقدّر جواب الأوّل تاليا له مدلولا عليه بما تقدّم عليه ، وجواب الثاني كذلك ، مدلولا عليه بالشّرط الأوّل وجوابه المقدّمين عليه. فيكون التقدير في الأولى : إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي ، وكذا التقدير في الثّانية. ومثل ذلك أيضا بيت الحماسة : [البسيط]
٦٢٤ ـ لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد |
|
ليسوا من الشّرّ في شيء وإن هانا |
فتدبّره فإنّه حسن.
وإذ قد عرفت أنّا لا نريد شيئا من هذه الأنواع بقولنا : «اعتراض الشّرط على الشّرط» ، فاعلم أنّ مرادنا نحو : «إن ركبت إن لبست فأنت طالق» ، وقد اختلف أوّلا في صحة هذا التركيب ؛ فمنعه بعضهم على ما حكاه ابن الدّهّان ، وأجازه الجمهور. واستدلّ بعض المجيزين بالآيات السابقة ، وقد بيّنا أنّها ليست ممّا نحن فيه لا في ورد ولا صدر وإنّما الدليل في قوله سبحانه : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ) إلى قوله (لَعَذَّبْنَا) [الفتح : ٢٥] فالشّرطان وهما (لو لا) و (لو) قد اعترضا وليس معهما إلا جواب واحد متأخّر عنهما ، وهو (لعذّبنا) ، وفي آية أخرى على مذهب أبي الحسن وهي قوله سبحانه : (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ) [البقرة : ١٨٠] ، فإنّه زعم أنّ قوله جلّ ثناؤه : (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) [البقرة : ١٨٠] على تقدير الفاء أي : (فالوصية.) فعلى مذهبه يكون ممّا نحن فيه ؛ وأمّا إذا رفعت (الْوَصِيَّةُ) ب (كُتِبَ*) فهي كالآيات السابقات في حذف الجوابين. وهذان الموطنان خطرا لي قديما ولم أرهما لغيري. وممّا يدلّ عليه أيضا قول الشاعر : [البسيط]
٦٢٥ ـ إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا |
|
منّا معاقل عزّ زانها كرم |
__________________
٦٢٤ ـ الشاهد لقريط بن أنيف أحد شعراء بلعنبر في خزانة الأدب (٧ / ٤٤١) ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص ٣٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٦٩) ، والمقاصد النحوية (٣ / ٧٢) ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني (٢ / ٦٤٣) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٤٧٣) ، ومغني اللبيب (١ / ٢٥٧).
٦٢٥ ـ الشاهد بلا نسبة في خزانة الأدب (١١ / ٣٥٨) ، والدرر (٥ / ٩٠) ، وشرح الأشموني (٣ / ٥٩٦) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٥٤) ، ومغني اللبيب (٢ / ٦١٤) ، والمقاصد النحوية (٤ / ٤٥٢) ، وهمع الهوامع (٢ / ٦٣).