فليست خراسان التى كان خالد |
|
بها أسد إذ كان سيفا أميرها |
فحديثه طريف. وذلك أنه ـ فيما ذكر ـ يمدح خالد بن الوليد ويهجو أسدا ، وكان أسد وليها بعد خالد (قالوا فكأنه) قال : وليست خراسان بالبلدة التى كانت خالد بها سيفا إذ كان أسد أميرها (ففى) كان على هذا ضمير الشأن والحديث ، والجملة بعدها التى هى (أسد أميرها) خبر عنها. ففى هذا التنزيل أشياء : منها الفصل بين اسم كان الأولى وهو خالد ، وبين خبرها الذى هو (سيفا) بقوله (بها أسد إذ كان) فهذا واحد.
وثان : أنه قدّم بعض ما (إذ) مضافة إليه وهو أسد عليها. وفى تقديم المضاف إليه أو شيء منه على المضاف من القبح والفساد ما لا خفاء به ولا ارتياب. وفيه أيضا أن (أسد) أحد جزأى الجملة المفسّرة للضمير على شريطة التفسير أعنى ما فى كان منه. وهذا الضمير لا يكون تفسيره إلا من بعده. ولو تقدّم تفسيره قبله لما احتاج إلى تفسير ، ولما سمّاه الكوفيون الضمير المجهول.
فإن قلت : فقد قال الله تعالى : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنبياء : ٩٧] فقدّم (إذا) وهى منصوبة ب «شاخصة» ، وإنما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل ، فكأنه على هذا قال : فإذا هى شاخصة هى أبصار الذين كفروا و (هى ضمير القصّة ، وقد ترى كيف قدّرت تقديم أحد الجزأين اللذين يفسّرانها عليها ، فكما جاز هذا (فكذلك يجوز) أيضا أن يقدّم (أسد) على الضمير فى (كان) وإن كان أسد أحد جزأى تفسير هذا الضمير.
قيل : الفرق أنّ الآية إنما تقديم فيها الظرف المتعلّق عندك بأحد جزأى تفسير الضمير وهو شاخصة ، والظرف مما يتّسع الأمر فيه ولا تضيق مساحة التعذر له بأن تعلّقه بمحذوف يدلّ عليه شاخصة أو شاخصة أبصار الذين كفروا ؛ كما تقول فى أشياء كثيرة ؛ نحو قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ)(١) [المؤمنون : ١٠١] ، وقوله : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي
__________________
(١) وهو يريد أن (إذا) فى الآية نصبها ما فى الجواب (فلا أنساب بينهم) وقد تقرر أن (لا) لها التصدّر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والعذر فى ذلك أن (إذا) ظرف يتوسع فى أمره (نجار).