لم يقل : كلاهما قد أقلعا وأنفه راب ؛ فيكون ما أنكرناه ؛ لكنه قد أعاد (كلا) أخرى غير الأولى ، فعاملها على لفظها. ولم يقبح ذلك ؛ لأنه قد فرغ من حديث الأولى ، ثم استأنف من بعدها أخرى ، ولم يجعل الضميرين عائدين إلى كلا واحدة. وهذا كقولك : من يقومون أكرمهم ، ومن يقعد أضربه. فتأتى ب (من) الثانية فتعاملها على ما تختار ممّا يجوز مثله. وهذا واضح فاعرفه. ولا يحسن «ومنهم من يستمعون إليك حتى إذا خرج من عندك» لما ذكرنا.
وأما قول الفرزدق :
وإذا ذكرت أباك أو أيّامه |
|
أخزاك حيث تقبّل الأحجار (١) |
ـ يريد الحجر ـ فإنه جعل كلّ ناحية حجرا ؛ ألا ترى أنك لو مسست كل ناحية منه لجاز أن تقول : مسست الحجر. وعليه شابت مفارقه ، وهو كثير العثانين.
وهذا عندى هو سبب إيقاع لفظ الجماعة على معنى الواحد.
وأمّا قوله :
فقلنا أسلموا إنّا أخوكم |
|
فقد برئت من الإحن الصدور (٢) |
فيجوز أن يكون جمع أخ قد حذفت نونه للإضافة ، ويجوز أن يكون واحدا وقع موقع الجماعة ؛ كقوله :
*ترى جوانبها بالشحم مفتوقا*
وقد توضع من للتثنية ؛ وذلك قليل ؛ قال :
*نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (٣) *
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للفرزدق فى ديوانه ١ / ٣٧٢ ، ولسان العرب (حجر) ، وتاج العروس (حجر).
(٢) البيت من الوافر ، وهو لعباس بن مرداس فى ديوانه ص ٥٢ ، ولسان العرب (أخا) ، والمقتضب ٢ / ١٧٤ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٤ / ٢٨٥ ، وتذكرة النحاة ص ١٤٤ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٧٨.
(٣) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق فى ديوانه ٢ / ٣٢٩ ، وتخليص الشواهد ص ١٤٢ ، والدرر ١ / ٢٨٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٤ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٥٣٦ ، والكتاب ٢ / ٤١٦ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٠٤ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٦١ ، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١ / ٦٩ ، ـ ـ وشرح شواهد المغنى ٢ / ٨٢٩ ، وشرح المفصل ٢ / ١٣٢ ، ٤ / ١٣ ، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٧٣ ، ولسان العرب (منن) ، والمحتسب ١ / ٢١٩ ، والمقتضب ٢ / ٢٩٥ ، ٣ / ٢٥٣.