وأمّا دحندح فإنه صوتان : الأوّل منهما منوّن : دح ، والآخر منهما غير منوّن : دح (وكأنّ الأوّل نوّن للوصل. ويؤكّد ذلك قولهم فى معناه : دح دح) فهذا كصه صه فى النكرة ، وصه صه فى المعرفة. فظنّته الرواة كلمة واحدة. ومن هنا قلنا : إن صاحب اللغة إن لم يكن له نظر أحال كثيرا منها ، وهو يرى أنه على صواب.
ولم يؤت من أمانته ، وإنما أتى من معرفته. ونحو هذا الشاهد إذا لم يكن فقيها : يشهد بما لا يعلم وهو يرى أنه يعلم. ولذلك ما استدّ عندنا أبو عمرو الشيبانىّ لملازمته ليونس وأخذه عنه. ومعنى هذه الكلمة فيما ذكر (محمد بن الحسن أبو بكر : قد أقررت فاسكت) (وذكر محمد بن حبيب أن دحندح دويبة صغيرة : يقال هو أهون علىّ من دحندح) ومثل هذين الصوتين عندى قول الآخر :
إن الدقيق يلتوى بالجنبخ |
|
حتى يقول بطنه جخ جخ (١) |
فهذا حكاية صوت بطنه.
وأمّا عفرّين فقد ذكر سيبويه فعلا كطمرّ وحبرّ (٢). فكأنه ألحق علم الجمع كالبرحين (٣) والفتكرين (٤). إلا أن بينهما فرقا. وذلك أن هذا يقال فيه : البرحون والفتكرون ، ولم يسمع فى عفرّين الواو. وجواب هذا أنه لم يسمع عفرّين فى الرفع بالياء ، وإنما سمع فى موضع الجرّ ، وهو قولهم : ليث عفرّين (٥). فيجب أن يقال فيه فى الرفع : هذا عفرّون. لكن لو سمع فى موضع الرفع بالياء لكان أشبه بأن يكون فيه النظر. فأمّا وهو فى موضع الجر فلا يستنكر فيه الياء
وأما ترعاية فقد قيل فيه أيضا : رجل ترعيّة ، وترعاية. وكان أبو علىّ صنع ترعاية فقال : أصلها ترعيّة ثم أبدلت الياء الأولى للتخفيف ألفا ؛ كقولهم فى الحيرة : حارىّ. وإذا كان ذاك أمرا محتملا لم يقطع بيقين على أنه مثال فائت فى
__________________
(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (جخخ) ، (جنبخ) ، وتهذيب اللغة ٧ / ٦٣٩ ، وتاج العروس (جنبخ) ، ويروى (القصير) مكان (الدقيق). الدقيق : دقيق الجسم ضئيله. والجنبخ : الطويل.
(٢) حبر : موضع فى البادية.
(٣) البرحين : بكسر الباء وضمها ـ الشدائد والدواهى.
(٤) الفتكرين : بكسر الفاء وضمها أيضا ـ الشدائد والدواهى.
(٥) يقال : ليث عفرّين أى أسد قوى.