وثلاثون سنة ، ومولده بالقاهرة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ومدة أيامه خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وخمسة أيام ، ونقش خاتمه «بنصر ذي الجود والمنن ينتصر الإمام أبو الحسن» ، وكان جميل السيرة ، حسن السياسة ، منصفا للرعية ، إلا أنه متشاغل باللذة ، محبّ للدعة والراحة ، معتمد في إصلاح الأعمال ، وتدبير العمال ، وحفظ الأموال ، وسياسة الأجناد ، وعمارة البلاد على الوزير أبي القاسم علي بن أحمد الجرجرائي ، لسكونه إلى كفايته ، وثقته بغنائه ونهضته.
ثم تولى الأمر بعده ولده أبو تميم معد المستنصر بالله أمير المؤمنين ، وعمره سبع سنين وشهران ، وأخذت البيعة له بعد أبيه في شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، وفي أيامه ثارت الفتن من بني حمدان وأكابر القواد ، ووجوه العسكرية والأجناد ، وغليت الأسعار ، وقلت الأقوات واضطربت الأحوال ، واختلت الأعمال وحصر في قصره ، وطمح في خلعه لضعف أمره ، ولم يزل الأمر على هذه الحال إلى أن استدعى أمير الجيوش بدر الجمالي من عكا إلى مصر في سنة خمس وستين وأربعمائة فاستولى على الوزارة والتدبير بمصر ، وقتل من قتل من المقدمين والأجناد ، وطالبي الفساد ، وتمهدت الأمور وسكنت الدهماء ، وألزم المستنصر بالله القصر ، ولم يبق له نهي ولا أمر إلا الركوب في العيدين ، ولم يزل كذلك إلى أن توفي أمير الجيوش وانتصب مكانه ولده الأفضل أبو القاسم شاهنشاه (١).
__________________
(١) حاول ناصر الدولة أن ينفرد بالتحكم بالخلافة الفاطمية كما أنه فكر بالغاء الخلافة ، ولهذا وجه الدعوة إلى السلطان السلجوقي ألب أرسلان للقدوم إلى مصر ، وقبل محاولة ناصر الدولة هذه كانت مصر قد ساءت فيها المواسم وحلت بها المجاعة مع الأوبئة ، كما أعلن المعز بن باديس في تونس الغاء الدعوة الفاطمية ، لهذا وجهت القاهرة ضده قبائل هلال وسليم ، يضاف إلى هذا كله اخفاق ثورة البساسيري ، وقد حسمت هذه الأمور ، ووضع حد لمادة الفوضى عندما استولى بدر الجمالي ، وهو أرمني الأصل ، على مقاليد الأمور ، وحكم على الخليفة والخلافة. انظر ترجمة بدر الجمالي في ملاحق كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٩٨ ـ ٣٠٥ ، وانظر أيضا : ٩٧ ـ ١٢٠ ، ٢٧٨ ـ ٢٩٣.