الغارات عليها وعلى أعمالها ، وقطع الميرة عنها ، ورعى زرعها عدّة سنين في كل ربيع لمضايقتها والطمع في ملكتها ، ولم يزل مترددا إلى أن اضطرب أمرها ، وخربت المنازل بها ، وزاد غلاء الأسعار فيها ، وعدم تواصل الأقوات إليها وجلا أكثر أهلها عنها ، واستحكم الخلف بين العسكرية المصامدة (١) والأحداث من أهلها ، وكون معلى بن منزو لعنه الله قد هرب عنها ، ولم يبق فيها من المقدمين على الأجناد غير الأمير زين الدولة زمام المصامدة بها.
وفي هذه السنة نزل السلطان العادل ألب أرسلان بن داود ـ أخي السلطان طغرلبك ـ بن سلجوق رحمهالله على حلب محاصرا وبها محمود بن صالح في يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة ، وضايقها إلى أن ملكها بالأمان ، فخرج محمود إليه فأمّنه وأنعم عليه وولاه البلد ، ورحل عنه ثالث وعشرين رجب قاصدا إلى بلاد الروم طالبا ملكهم ، وقد توجه إلى منازجرد فلحقه وأوقع به وهزمه ، وكان عسكره على ما حكي تقدير ستمائة ألف من الروم وما انضاف اليهم من سائر الطوائف وعسكر (٩٠ ظ) الاسلام على ما ذكر تقدير أربع مائة ألف من الأتراك وجميع الطوائف ، وقتل من عسكر الروم الخلق الكثير بحيث امتلأ واد هناك عند التقاء الصفّين ، وحصل الملك في أيدي المسلمين أسيرا ، وامتلأت الأيدي من سوادهم وأموالهم وآلاتهم وكراعهم ولم تزل المراسلات مترددة بين السلطان ألب أرسلان وبين ملك الروم المأسور إلى أن تقرر اطلاقه والمنّ عليه بنفسه بعد أخذ العهود عليه والمواثيق بترك التعرّض لشيء من أعمال الاسلام ، وإطلاق الاسارى ، وأطلق وسيّر الى بلده ، وأهل مملكته ، فيقال أنهم اغتالوه وسملوه (٢) وأقاموا غيره في
__________________
(١) من قبيلة مصمودة البربرية سكان السوس الأقصى.
(٢) في الأصل «سلموه» وهي تصحيف صوابه ما أثبتنا.