وضايقها وواظبها إلى أن افتتحها ، وملكها ، ورتب أمرها واحتاط عليها ، واعتمد على الثقات في حفظها (١).
__________________
(١) نقل سبط ابن الجوزي ـ أخبار سنة ٤٧٦ ه ـ عن غرس النعمة محمد بن هلال الصابىء خبر ثورة حران والقضاء عليها فقال : «ووصل الخبر إلى مسلم بأن أهل حران عصوا عليه ، فرجع كارا إلى حمص ، وصالح في طريقه ابن ملاعب وحالفه وأعطاه مضافا إلى حمص : رفنية وسلمية ، وأقطع شبيب بن محمود بن الزوقلية حماة ، واستخلفه في تلك الأعمال ، وعاجل حران ، فوصلها يوم الجمعة ثامن ربيع الأول ، فوجد قاضيها ابن جبلة الحنبلي قد استغوى أهلها ، وأدخل إليها جماعة من بني نمير ، مع ولد صغير لمنيع بن وثاب ، وأنفذ ابن عطير ، أحد وجوه بني نمير إلى جبق أمير التركمان ، فكان قريبا ، فاستدناهم إليه ليسلم إليهم البلد ، وشرع القاضي يعلم مسلما ، ويمنيه خديعة منه ليصل التركمان ، وعلم مسلم فحاربهم ، ورمى قطعة من السور ، وبينا هو كذلك وصل التركمان ، فترك أقواما يقاتلون البلد ، وركب هو بمن معه ، فأشرف على التركمان ، واتصل الطراد ، وقال للعرب املكوا عليهم النهر ، المعروف بالجلاب ، واجعلوه وراءكم ، وحولوا بين التركمان وبينه ، ففعلوا ، وعطشوا وخيلهم ، وهجرت الشمس عليهم ، فمالوا بجمعهم طالبين رأس الماء ، على أن يشربوا ، ويسقوا خيولهم ، ويعودوا على العرب ، فلما عطفوا خيولهم ، لم يشك العرب أنها هزيمة ، فالقوا نفوسهم عليهم ، فانهزموا ، فتبعوهم وغنموهم ، وقتلوا وأسروا ، وأقام مسلم على حصار حران ، وكان كلما رمى قطعة من السور ، نصب ابن جبلة بإزاء الثلمة مجانيق وعرادات ، منعت من يروم القرب منهما ، وراسله : إنك كلما رميت قطعة من السور ، جعلت مكانها مجانيق وعرادات ورجالا أشد منها ، فتوقف عن حربهم ، وتربص.
واتفق أنه استأمن إلى مسلم من أهلها ثلاثة إخوة ، فأخذ القاضي أباهم ، وكان شيخا كبيرا ، فأصعده إلى السور ، وقتله ، ورمى برأسه إلى مسلم ، فلما أحضر الرأس بين يديه ، وعلم الحال ، قال : غدا أفتح البلد إن شاء الله تعالى ، فهذا بغي أرجو من الله النصر في جوابه ، وأنفذ إلى العرب وأمرهم بالبكور للقتال ، فجاءوا ولبسوا السلاح ، وتقدم مسلم وعليه السلاح ، وكان قد بعث رجالا في الليل ، ينظفون الحجارة من الطريق ، لأجل الخيل ، فسئل أن يكاتب ابن جبلة ، ويعطيه الأمان لئلا يهلك الناس ، وينهب البلد ، فلما كتب ، أعاد جوابه على رأس الورقة :