فاضطرب البلد واشتد خوف أهله ووجلهم ، وخربت المنازل ، وضعفت النفوس ، وانقطعت المواد ، واستدت بالخوف المسالك والطرقات ، وبطل البيع والشراء ، وقطع الماء عن البلد ، وعدم الناس القني والحمامات ، ومات ضعفاء الناس على الطرقات ، وهلك الخلق الكثير من الجوع والبرد في أكثر الجهات ، وانتهت الحال في ذلك إلى أن تجددت ولاية القائد ريّان الخادم عقيب هذه الفتنة في بقية سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
شرح الأمر في ذلك
قد كانت الأخبار تنتهي إلى المعز لدين الله بما يجري على أهل دمشق من الحروب ، وإحراق المنازل ، والنهب والقتل والسلب ، وإخافة المسالك ، وقطع الطرقات ، وأن القائد أبا محمود المقدم على الجيش المصري لا يتمكن من كف أهل الفساد والمنع (١١ ظ) لمن يقصد الشر من أهل العيث والعناد ، ولذلك فقد خربت الأعمال ، واختلت الجهات ، وترادفت الأنباء بذلك إليه وتواترت الأخبار بجلية الحال عليه ، فأنكر استمرار مثل ذلك ، وأكبره واستبشعه ، وكتب إلى القائد ريّان الخادم والي طرابلس يأمره بالمسير الى دمشق ، لمشاهدة حالها ، وكشف أمور أهلها ، والمطالعة بحقيقة الأمر فيها ، وأن يصرف القائد أبا محمود عنها ، فامتثل القائد ريّان الأمر في ذلك ، وسار من طرابلس ، ووصل إلى دمشق ، فشاهدها وكشف أحوال أهلها وأمور الرعية بها ، وتقدم الى القائد أبي محمود بالانكفاء عنها ، فرحل عن دمشق الى الرملة في عدّة خفيفة من عسكره ، وبقي الأكثر مع القائد ريّان ، وكان ذلك بقضاء الله وتقديره ونفاذ حكمه ، وتمادت الأيام في ذلك إلى أن تجددت ولاية أبي منصور الفتكين التركي المعزي البويهي الواصل (١).
__________________
(١) الواصل من العراق.