ووصل إليه من الفلّ أخوه شمس الملوك دقاق (١) ابن السلطان تاج الدولة ، من ناحية ديار بكر ، وجماعة من خواص عسكره المفلول ، وأقام بحلب مدة يسيرة ، وراسله الأمير ساوتكين الخادم المستناب في القلعة والبلد ، وقرّر له ملكة دمشق سرّا ، فخرج في الحال من حلب من غير أن يعلم به أحد ، وجد في سيره ليله ونهاره ، فلما عرف الملك فخر الملوك خبره (٧١ و) أنهض عدة من الخيل في إثره ، ففاتهم ولم يعرفوا له خبرا ، ولا وجدوا له أثرا ، ووصل إلى دمشق وحصل بها وأجلسه ساوتكين في منصب أبيه السلطان تاج الدولة ، وأخذ له العهد على الأجناد والعسكرية ، واستقام له الأمر ، واستمرت (٢) على السداد الأحوال.
وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية الحجاز بأن الأمير أصفهذ وصل إلى مكة في أربعمائة فارس من التركمانية ، فقاتل أهلها فقهرهم ، وملكها وقتل خلقا كثيرا من حرابتها من أصحاب ابن أبي شيبة ، وانهزم ابن أبي شيبة ، وجميع الأشراف من مكة ، وحصل بها وأقام بها مديدة يسيرة ورحل عنها.
وفي هذه السنة وردت الأخبار بخلاص الأمير ظهير الدين طغتكين أتابك من اعتقاله عقيب الكسرة التاجية ، وتوجه عائدا إلى دمشق ، وخرج صاحبه السلّار حصن الدولة بختيار شحنة دمشق نحوه لتلقيه والعود في خدمته ، وقد كان هذا الأمير المذكور في حداثة سنة ونضارة غصنه ، قد حظي عند السلطان الشهيد تاج الدولة ، ورشحه يحجبه وقدمه على أبناء جنسه من خواصه
__________________
(١) في حاشية الأصل : قلت : دقاق وكنيته أبو نصر ، ويقال فيه تقاق أيضا بالتاء. وهذا صحيح فالاسم أصلا بالتركية يلفظ أولا بحرف وسط بين التاء والدال ، لذلك وجد من عربه بدال ومن عربه بتاء ، وهذه الحال نجدها في غالبية المصادر.
(٢) في تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة قصيرة لدقاق نشرتها في ملاحق كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٣٨٦.