وقد كان الملك فخر الملوك رضوان بن تاج الدولة صاحب حلب مائلا الى دمشق ، ومحبا لها ، ومؤثرا للعود إليها ، ولا يختار عليها سواها ، لمعرفته بمحاسنها ، وترعرعه فيها ، فجمع وحشد واستنجد بالأمير سكمان بن أرتق ، وبرز طالبا لدمشق والنزول عليها ، وانتهاز الفرصة فيها.
وقد كان الملك شمس الملوك دقاق والعسكر مع الأمير يغي سغان ، والأمير نجم الدين ايل غازي قد غابوا عن دمشق في هذا الوقت ، فوصل الملك فخر الملوك رضوان صاحب حلب في عسكره ، ونزل بظاهر البلد في سنة تسع وثمانين وأربعمائة وزحف في العسكر لقتالها ، وكان في البلد وزير الملك شمس الملوك زين الدولة محمد بن الوزير أبي القاسم ، ونفر قليل من العسكرية ، وانضاف إليهم جماعة من الأجناد وأهل البلد ، وأغلقت الأبواب وارتكبت الأسوار ، وصاحوا ورشقوهم بالسهام ، وكانوا قد بلغوا في الزحف إلى سوق الغنم ، وقربوا من السور وباب الصغير ، وطلب جماعة من العسكرية وأحداث البلد الخروج إليهم ، والدفع لهم عن البلد ، فمنعهم السلار بختيار شحنة البلد ، والرئيس أمين الدولة أبو محمد بن الصوفي رئيس البلد من الخروج ، وقاتلوهم على الأسوار ومنعوهم من الوصول إليها ، واتفق الأمر المقتضى أن حجز المنجنيق وقع في رأس حاجب الملك رضوان وهو قائم يحرض على الحرب فقتله ، فسكنت الحرب واشتغلوا بأمره ، وعادوا إلى مخيمهم لأجله ، ولم يتم لهم أمر ، ولا تسهل لهم غرض ، وبلغهم أن الملك شمس الملوك عائد (٧٢ و) في العسكر إلى دمشق ، فرحل في العسكر عائدا إلى حلب ، خائبا في الأمر الذي طلب ، وطلب في رحيله ناحية مرج الصفر ، وطلب حوران ، فعاث العسكر في أطرافها ، وطلب التوجه إلى بيت المقدس ، وعاد شمس الملوك دقاق لما انتهى إليه الخبر في العسكر ، ووصل الى دمشق ، وتبع عسكر الملك رضوان على إثره ، فوصل وتقارب المدى بين الفريقين ، وفصل الملك رضوان منكفئا إلى حلب ، فوصل إليها في آخر ذي الحجة من السنة.